تكلم قليلاً تكسب كثيراً
كيفما انتهت الجولة التفاوضية الحالية بين الحكومة وقطاع الشمال فالمهم فيها التأمين على عدة ثوابت أولها وأهمها أنه وطالما توجد مساحة للحوار والتواصل المباشر عبر آليات التفاوض فهذا في حد ذاته انتقال حميد لمواقف جديدة أكثر إيجابية من التمترس السابق خلف الحلول العسكرية والحروب، ولن تخسر الحكومة شيئا بقدر ما سيدرك السودانيون أو غالبيتهم أن “ياسر عرمان” حقيقة إنسان بغيض وانتهازي يقتات بالأزمات ويرفع شعارات فطالما أن وظيفته تلك كسياسي معارض وثائر توفر له مخصصات العيش الكريم وتقدمه كنجم فإنه لن يبالي كثيراً أن تموت النساء في النيل الأزرق أو الأطفال في جنوب كردفان وهذه الحقيقة ستزيد من عزلة الرجل في وجدان السودانيين وهي كلفة باهظة لو كنت مكانه لتجنبت دفع فاتورتها.
القفز مباشرة إلى خلاصات متشائمة اندفاع غير دقيق، ليس مطلوباً من الجولة الحالية أو حتى التي تليها التوصل إلى نتائج نهائية، التفاوض حول أي قضية عملية شاقة ويحتاج إلى تكتيكات لا تكتمل بين يوم وليلة وعليه فإن التواصل اليسير الذي تم في أديس مفيد لعدة اعتبارات الأولى والأهم تعرية موقف الحركة الشعبية وتأكيد كونها فصيل لا يملك رؤية أو مشروعاً محدد المعالم لأنها وبشهادة الوسطاء وما يقدم من وفدها تؤمن ببعض القول وتكفر به غداً فهي توقع التزامات في الشأن الإنساني (الاتفاقية الثلاثية) ثم تعلن أنها لا تعرف عنها شيئاً وقطعاً فإن مثل هذه السلوكيات ومهما كانت نزاهة أو عمالة الوسطاء والشهود ستهز موقف المتمردين تماماً.
المفاوضات كذلك كشفت لأهل المنطقتين أن الحكومة من حيث التمثيل والمشاركة ضمت كل أهل المصلحة فعلاً من أبناء الولايتين إذ يوجد مشاركون من خارج صف المؤتمر الوطني (منير شيخ الدين مثلا) عكس وفد الحركة الشعبية الذي لا يعرف الناس فيه آمراً وناهياً سوى “ياسر عرمان” نفسه مع تمثيل لأطراف لا علاقة لهم بالمنطقتين بل إن الوساطة قد تضجرت من قائمة وفد المتمردين وتدخلت وقلصت عدده وإن لم تفعل فلربما شارك الممثل الأمريكي (جورج كلوني) باسم مناطق جنوب النيل الأزرق.
تقديري وتقييمي أن أي جولة مفاوضات قد تعلق أو تنتهي في ميقات ما لظرف أو مؤثر لكنها تترك أثراً وتحقق تقدماً وتفقد هذا الطرف نقطة وتكسب الآخر نقطة، وأعتقد أن البروفسور إبراهيم “غندور” رئيس الوفد يملك عكس نظيره “عرمان” سياسي سريع التفكير قادر على التعبير عن نفسه بسهولة مما يؤهله إلى الاتصال الجيد والفعال، ومن ثم فإنه آخر الأمر سيكسب لبلده ووطنه وللصالح العام، وكما تقول كتب التفاوض (يجب أن يكون المفاوض صبوراً يتيح الفرصة كاملة للطرف الآخر في التعبير عن نفسه وشرح موقفه بحرية قد تساعد على حل القضايا بدون المزيد من الجدل والعناء) والعاقبة للمتقين.
(استمع كثيراً وتكلم قليلاً تكسب كثيراً ولا تخسر إلا القليل).