رأي

إعادة هيكلة العاصمة

قرر مجلس وزراء ولاية الخرطوم تكوين لجنة برئاسة نائب الوالي لتطوير وإعادة هيكلة وسط المدن الثلاث تنفيذاً لمخرجات المخطط الهيكلي العمراني. وستتم إعادة توظيف بحيث يتم نقل أي مرافق خدمية لتكون بالقرب من سكن المواطنين.
منذ الستينيات والسبعينيات فطن البعض إلى الخريطة المقلوبة للخرطوم وأم درمان وبحري وطالبوا بإعادة تخطيطها لتصحيح الأخطاء.
إذا نظرنا إلى توزيع الأحياء السكنية والمرافق في المدن الثلاث فسنلاحظ شيئاً مشتركاً فيها كلها أن من خططوها حرصوا أن تكون الأحياء بعيدة من النيل. وأن تكون الوزارات والمصالح قريبة من شاطئ النيل. لقد حرص الإنجليز على السكن قريباً من النيل وأن تكون أماكن عملهم قريبة من سكنهم. لهذا نلاحظ أن الوزارات والمصالح الحكومية على شاطئ النيل بينما الناس يقيمون بعيداً. وقاموا بغرس الأشجار الكثيفة والعشب الأخضر في الميادين القريبة من النيل ولهذا عندما يمر أحدنا بشارع النيل أو شارع الجامعة يلاحظ أنه يسير في مساحات خضراء تحفها الأشجار ويلاحظ أن الأجواء باردة. واذكر أن المواطنين كانوا خلال شهر رمضان يقضون معظم اليوم في شارع النيل وحدائقه الكثيرة خاصة في رمضان للاستمتاع بالهواء العليل. حتى السجون في أم درمان وبحري اختاروا لها مواقع قريبة من النيل. ويلاحظ أن قشلاقات الشرطة والجيش كانت قريبة من النيل. ولم يكن ذلك صدفة. لقد كانوا حريصين على الابتعاد عن المواقع الحارة وأن تكون مواقع عملهم في أماكن هواؤها منعش.
تلاحظون أن سجن كوبر على النيل وسجن أم درمان قريب من النيل. وقد تعودنا على هذه الخريطة المقلوبة ولم نفكر في تغييرها.
يلاحظ أن وزارات الداخلية والتربية والتعليم والشباب والمالية وكل المصالح التابعة لها تكاد تكون كلها محصورة في شارع النيل. ولم يفكر أحد منذ الاستقلال في تغيير مواقعها كأنه أمر محرم.
ويلاحظ أن كل هذه الوزارات والمصالح الحكومية مرتبطة ارتباطاً شديداً بمصالح الناس أي أن الإنسان يحتاجها باستمرار وعليه أن يسير في رحلة طويلة حتى يصلها وأحياناً يضطر لركوب أكثر من وسيلة مواصلات.
أنا أتفهم وجود الفنادق على النيل لأنها مناطق للاستضافة المؤقتة ولكني لم أفهم لماذا لا تقام العمائر السكنية في أماكن هذه الوزارات والمصالح الحكومية الكثيرة. لقد كان من نتيجة ذلك أن الخرطوم تكون صامتة مظلمة منذ غروب الشمس لأن الناس لا يعملون مساءً بل هم يتعجلون الذهاب إلى منازلهم بعد انتهاء الدوام ويحرصون على إطفاء كل الأنوار قبل الخروج.
لم أسمع عن مشروع واحد من بين هذه المشاريع الكثيرة المطروحة الآن يتحدث عن بناء شقق سكنية على شاطئ النيل وكأن ذلك من المحرمات عكس الحال في مصر إذ توجد شقق سكنية على النيل مباشرة.
أطلب من أي واحد منكم التوجه بعد غروب الشمس لشارع النيل أو الجامعة سيفاجأ أنه يسير في شوارع غابت عنها حركة الحياة لأنها كلها مكاتب تعمل نهاراً.
هذا المشروع الرامي إلى تصحيح الخريطة مشروع كبير. ولكنا لسنا أول دولة تقدم عليه. في السعودية تم هدم الأحياء القديمة وإعادة بنائها بعد منح أهلها تعويضات لم يحلموا بها. وفي القاهرة كانت هناك قرى على شاطئ النيل وكلها أعيد تخطيطها وتحديثها. الآن من يمر بأي شارع في الرياض لن يجد أثراً للأحياء القديمة وبدلاً منها سيجد الشوارع الحديثة الأنيقة المضاءة والنوافير. يقول البعض إن إصرار أهالي توتي على عدم الرحيل هو الذي يعطل مشروع التحديث ولكن لا أظن هذا سبباً لأن توتي يمكن تطويرها بمنح الأهالي قروضاً بغرض تحديث بنائها وإعادة تخطيها. وهذه الفكرة يمكن أن تمتد للقرى المجاورة للخرطوم أي إقراض الناس لبناء مساكن حديثة بدلاً من مطالبتهم ونحن نعرف أنهم لا يستطيعون وحدهم إنجاز العمل المكلف.
> قالوا ونقول
قالوا سجن كوبر على النيل.. ونقول لا شيء يمنع نقله إلى مكان آخر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية