عزوف الشباب عن الزواج.. النهج الذي يفضي إلى (عنوسة) الفتيات
في الوقت الذي يتوق فيه الرجل إلى الزواج بكل رغباته واهتماماته، هناك نوع آخر يعزف عنه بقناعة شرسة يتسلح بها دفاعاً عن حريته العزيزة لاعتقاده أنها ستذهب أدراج الرياح بمجرد بداية الحياة الزوجية، وهذا هو ديدن الكثيرين، كما أن هناك فئة اصطدمت بمعوق عاطفي أو أسري، كأن يتعرض أحدهم لصدمة عاطفية أو تمنعه الأسرة الزواج من فتاة ارتضاها لنفسه زوجة، لذا وعلى خلفية هذه المواقف يقفلون على قلوبهم بالضبة والمفتاح، ويمارسون حياتهم بمعزل عن التفكير في الارتباط مجدداً، فضلاً عن أسباب أخرى تدفع بعزوف الرجال عن الزواج.
إذن لماذا يرفض الرجل فكرة الزواج ويصر على العيش وحيداً بمنأى عن المسؤولية؟ ألا يخاف الشعور بالوحدة مع تقدمه في العمر مع أنه بذلك قد يقضي على استمراريته بعدم الزواج والإنجاب؟.. ولماذا يؤجل البعض قرار الارتباط المرة تلو الأخرى، رغم أنه في النهاية قرار لا مفر منه! كل هذه التساؤلات يجيب عليها ذوو الشأن من خلال هذا التقرير.
الزواج وعسر الهضم
“أحمد خضر” – رسام تجاوز الخامسة والأربعين من عمره – مضرب عن الزواج نهائياً وساق عدداً من الأسباب لذلك، إذ يقول: لن أتزوج أبداً وهذا أمر محسوم بالنسبة إليّ وسأكون غبياً وفاقداً لعقلي إذا تورطت بزواج ينهي متعة راحتي واستقلاليتي، مضيفاً أن الزواج هو النظام الاجتماعي الوحيد الذي يتكبد فيه الرجل المال من أجل خسارة حريته، فضلاً عن التكاليف الباهظة التي يتحملها للإنفاق على الزواج، وأنا – الحديث لـ”أحمد” – أؤمن بحكمة تقول: إن الحب وجبة دسمة تنتهي بعسر هضم أسمه الزواج.
وكغيره ممن يعتقد أن الحب سجن يتحدث مدير العلاقات العامة بتلك الشركة الخاصة “ياسر زيدان” عن العزوف عن الزواج بقوله: لست متزوجاً ولكنني على شفا حفرة منه، حاولت مراراً التنصل والهروب لإيماني أن الزواج هو مقبرة لحياة الحرية والاستقلال، لكن في نهاية الأمر وافقت وأذعنت لإلحاح أسرتي علّيّ بيد أن ما دفعني للتنازل عن أولى قناعاتي (الحرية والعزوبية) هو شعوري أن السنوات تمضي سريعاً، وسيأتي عليّ يوم وأجد نفسي وحيداً خاصة في مرحلة الشيخوخة حيث لا ولد، وتمنى “ياسر” ألا يندم على هذا القرار وقد أجله مراراً لأنه بحد تعبيره مقبل على حياة جديدة فيها الكثير من المفاجآت.
الإنترنت سبب الأذى
أما “محمد حسن طه” فرأيه أن طريقة الزواج الموجودة الآن لم تعد تناسب العصر الذي يعيشه، فلا يصح لشاب أن يتزوج بعقلية أب تزوج في القرن الماضي وهذا بالضبط ما تريده الأسرة، مضيفاً بأن ليس لديهم شيء سواء الإلحاح عليّ بالزواج، وكل يوم تقول لي والدتي (العائلة مليانة بالبنات المحترمات ليه نفتش برة). لكن “طه” له رؤية مخالفة تستبطن عدم ثقته في الفتيات قائلاً: لقد تعرفت على العديد من الفتيات على الإنترنت، وعندما أشعر بميل لأي منهن تناوشني الظنون والهواجس ما إذا كانت تحدثت مع غيري؟ وكم عدد علاقتها؟ فالتواصل عبر (الإنترنت) زعزع ثقتي بالفتيات .
ويظل العامل المادي والظروف الاقتصادية سبباً رئيسياً في تأخر سن الزواج وهذا بحسب الواقع الماثل للعديد من الشباب الذين يعانون البطالة وضعف الدخل المادي، لذا ووفقاً لبعض الدراسات الاجتماعية، فإن تكاليف الزواج واحدة من أسباب الزواج الفاشل والطلاق ومشاكل (العنوسة) المحفوفة بالمخاطر، وعليه تكتسب ظاهرة الأعراس الجماعية قيمتها الاجتماعية والأخلاقية التي تستحق الوقوف عندها، لأنها تيسر لهم الخطوة الأولى على درب السعادة بلا منغصات ديون.
دراسات اجتماعية ونفسية
والمؤشر الأخطر بحسب الدراسات في تأخر سن الزواج عدم (الوجاء) الذي يعني العفة والطهر ما سيؤدي إلى انتشار الفاحشة والرذيلة في المجتمعات العربية وانتشار رقعة بيوت الدعارة وغيرها كبدائل للزواج لتفريغ طاقة الشباب الجنسية التي حالت دون تفريغها في الحلال أمام الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع، والمغالاة في المهور وتجهيز عش الزوجية، والبطالة وضعف الأجور لدرجة بات معها طلب الحلال أصعب بكثير من طلب الحرام.
والمشكلة الأخطر تكمن في إقلاع الشباب عن الزواج واستغنائهم عنه ببدائل، فتضيع العفة بين الجنسين وإحصان الفرج فيلجئون إلى العادة السرية أو الانحرافات الجنسية الصريحة، باعتبار أن الغريزة الجنسية لا يمكن تجاهلها أو إهمالها لما تسببه من كارثة مجتمعية وأخلاقية.
كما أن الأمر له تأثير نفسي قوي، فتأخر الزواج يعد حرماناً جنسياً وكبتاً وإحباطاً لحاجة فسيولوجية أساسية له عواقبه الوخيمة سلوكياً ونفسياً وصحياً، وهذا ما تشير إليه الدراسات العلمية، برفض المجتمع لهم وعدم اندماجهم مع الآخرين ومعاناتهم من الإحباط والاكتئاب والهلاوس والوسواس القهري، وأحياناً، يضاعف من هذه الحالات المرضية ما تبثه المواقع الإباحية من صور وأفلام وما تعرضه الفضائيات من خلاعة ومجون، بالإضافة إلى مشاكل التحرش الجنسي والاغتصاب والزنا.
أسباب (عنوسة) الرجال
وما يعانيه الشباب اليوم نتيجة ضعف الوازع الديني عند الشباب، فلا يتورع من أن يجد متعة خارج الأسرة كأنها حق مكتسب أجبره عليه المجتمع، متناسياً أن الحل الأفضل هو الصوم.
وخلصت الدراسات إلى أن من أسباب (عنوسة) الرجال ارتفاع نسبة البطالة التي أعاقت الشباب من توفير متطلبات الزواج المادية، بالإضافة إلى الفقر الذي تقع تحت طائلته نسبة كبيرة من الأسر، فلا تستطيع مساعدة أبنائها بعد انتهاء مراحل تعليمهم المختلفة بسبب دخولهم المتدنية على افتراض وجود فرص عمل، وهو ما لا يمكنهم من تحمل تكاليف بناء أسرة جديدة.