رأي

«الصادق المهدي».. هل يمتلك المصل المضاد للشيخوخة السياسية؟

كانت رؤية الإمام “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة القومي تصيب المرء بالدوار في حسابات المنطق والمحاججة وتتوغل في الأعماق السحيقة التي تخطف الألباب والأبصار وترتكز على أوتار الغرابة والدهشة والزاوية الفلسفية وهو يرفض فكرة اعتزاله العمل السياسي وتنازله عن قيادة حزبه.
فهل الإمام “الصادق” يحاول ضرب الناموس القائم على معادلة دوران الحياة والتنازل عن كرسي الرئاسة للأجيال القادمة أم أن الرجل يفكر في إشهار رؤية جديدة عن كسر المسلمات حول الاعتزال السياسي من خلال معالجة عصرية لم تخطر على بال أحد؟
هكذا يطرق الإمام “الصادق” الفضاءات البعيدة ويقلب الصورة النمطية رأساً على عقب في إطار التجديد وملامسة الأوتار الاستثنائية في جميع المجالات!! فقد ظل الرجل يعبر عن تصورات عميقة وأفكار حديثة على دروب العلم والسياسة والنهضة الحياتية وإزاحة المفاهيم القديمة.. وكم رأينا مساهمات “الصادق المهدي” في بلاغ الثورة الناعمة وقضايا التأصيل والسلام والحريات وملف المعيشة وانفصال الجنوب فضلاً عن زوايا الآداب والفنون والجمال والشخصية السودانية!! وها هي الدكتورة “مريم الصادق” تصف خصائص والدها قائلة: (الإمام لما يتكلم مع الدبلوماسيين بفتح ليهو جناحين يطير.. فلسفة وعلم!!)
وفي المقابل تزداد الوتيرة في الساحة السودانية حول ضرورة رحيل القيادات التاريخية عن مواقع القيادة والصولجان وإفساح المجال لتجديد الدماء في عروق تلك الأحزاب السياسية.
وفي الصورة المقطعية يطلق “المحبوب عبد السلام” القيادي بالحزب الشعبي صيحة عاتية عن أهمية تنحي الدكتور “الترابي” عن زعامة حزبه، وبذات القدر يرى المحامي “هشام الزين” عضو هيئة القيادة بالاتحادي (الأصل) أن الوقت قد حان لتنازل مولانا “محمد عثمان الميرغني” عن الرئاسة، وكذلك توجد آراء بعض شباب حزب الأمة القومي التي تطالب “الصادق المهدي” بترك قيادة الحزب، وعلى مستوى الحزب الشيوعي كانت هنالك آراء الدكتور “فاروق كدودة” التي كانت تنادي المرحوم “نقد” بالتنازل للشباب عن رئاسة الحزب قبل وفاته!!
في ثنايا تلك المشاهد والصور قابل الإمام “الصادق” تلك الآراء بمواقف قوية وصلبة لا تقبل التردد والمساومة تنم عن الاعتداد بالذات والارتكاز على تاريخه وكاريزمته فهو يضع (فيتو) كبير على إمكانية ذهابه عن رئاسة حزب الأمة القومي قائلاً: (كيف أذهب وأنا شغال ومنتج وأطلق الأفكار والتصورات بينما هناك غيري في ذات المواقع لا ينتجون ولا شغالين حاجة؟).
في المجادلة الشفافة يقول المحاور للإمام “الصادق”.. طيب .. لماذا لا تذهب في إطار عملية تسلم الأجيال للقيادة؟ يقول الإمام بلغة ساخنة متلبسة بحجته في سياق رفضه القاطع بالتنازل.. (لا يوجد مثل هذا الكلام.. الناس ليسوا بهائم يقاسون بزمن أجيالهم) وأردف قائلاً للمحاور.. (لماذا لا تطالبون بمحاسبة العاجز في الرئاسة؟) ويضيف الإمام “الصادق”: (السن لا علاقة لها بهذا الأمر والعجوز هو من يعجز عن الفعل.. وأنا شخصياً قاعد أساهم لبلدي وحزبي ولفكري ولديني أكثر من 15 عاماً) ثم يختم حديثه قائلاً: ( الفيهو بخور بنشََمْ) وفي زاوية مرادفة يقول الإمام “الصادق”: ( أنا الشايل حزب الأمة مش الحزب شايلني).
المحصلة.. الإمام “الصادق” يتحدث مزهواً بإمكانياته وقدراته وسجله السياسي الطويل، فهو لا يؤمن بأن يكون تقدم السنوات مقياساً لعملية تجديد الدماء والتنازل عن القيادة في العمل السياسي، فالإمام يرى أن العمر لا ينظر إليه بمرور السنوات بل يقاس عن طريق القوة الجسمانية والبيولوجية والذهنية.. فهل الرجل من خلال هذه الإشارات يمتلك المصل المضاد للشيخوخة السياسية؟.. ربما تكون الإجابة من وحي أفكاره العميقة والجريئة مصحوبة بحراكه الكثيف في المشهد السياسي وميوله الواضحة نحو الرياضة بأشكالها المختلفة ومجاراته للعصر والحداثة.
كان حديث الإمام “الصادق” خطيراً وحيوياً وغريباً ومدهشاً لم يقبله البعض لكنه كان يمشي على حبائل التفكير الحواري والقياسي!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية