الأمريكي وأغنية "وردي"
كان وصولي إلى مدينة الرياض السعودية حوالي الساعة التاسعة مساء آخر يوم من أيام عام 1980م. وأخذنا إلى فيلا أنيقة بحي السليمانية. لم نهتم كثيراً بمعرفة تفاصيلها لأننا كنا في غاية الإرهاق بسبب إجراءات السفر الكثيرة في الخرطوم التي لم نفرغ منها إلا قبل ساعات من المغادرة إلى المطار. أنا بالذات كان عليّ إخفاء نفسي حتى لا يعرفني أحد الذين وضعتهم وزارة التربية والتعليم في المطار للقبض على أي معلم “لغة انجليزية” هارب. وهذه قصة أخرى سأذكر تفاصيلها في مكان آخر.. المهم أننا كنا في غاية الإرهاق فغرقنا في نوم عميق رغم برودة الجو الذي حولته مكيفات الهواء إلى جو معتدل أتاح لنا النوم العميق في تلك الليلة.
صحوت في اليوم التالي في الساعة السابعة. وذهبت حيث جهز لنا العامل الحبشي الشاي الصباحي. تناولنا الشاي ومعه قطع البسكويت الفاخر بتأنٍ. كان لرفيقي الكثير من الحكايات والقصص وكان هو ضمن من لعبوا دوراً في خطة التغطية على هروبي في المطار. بعد شرب الشاي تناولنا بعض الحديث مع موظفين آخرين للشركة وصلوا في اليوم السابق وبالتالي تعودوا على المكان فكانوا يتصرفون بتلقائية وبساطة.
كان هناك رجل أمريكي في الخمسين من عمره بلحية بيضاء يجلس بعيداً عن الجميع. نهض بعد شرب الشاي واختفى في الغرفة المخصصة لهم. بعد دقائق من خروجه سمعنا صوت أغنية منبعثة من جهاز تسجيل. عرفتها على الفور، فقد كانت الأغنية للفنان “محمد وردي”. انتهت الأغنية لكن أعاد الخواجة تشغيلها. كان صوت “وردي” واضحاً وهو يغني (يا ناسينا) بتوزيع حديث يلعب فيه المزمار الصيني دوراً رئيسياً. وكان “وردي” قد استعان بهذا المزمار في أحد تسجيلاته مما أكسب الأغنية بعداً رائعاً.
قلت لرفيقي هذه أغنية “وردي” فمن هذا الذي يستمع إليها. لابد أنه أحد السودانيين الذين قضوا فترة طويلة هنا وهو يحن لأي شيء من السودان ولو كان أغنية. وسأل العامل الحبشي عن هذا الذي يستمع للغناء السوداني في هذه الساعة المبكرة ليس فقط يستمع إليه ولكنه يستعيد سماعه أكثر من مرة. كانت مفاجأة لنا عندما قال لنا الحبشي هذه الأغنية لـ”وردي” يعيدها هذا الرجل يومياً عدة مرات منذ الأمس وهو يسألني عن معانيها، لكني أجبته بأنني لا أعرف “اللغة العربية”.
بعد لحظات حضر الخواجة الأمريكي إلى حيث كنا نتناول الشاي وسألناه إن كان هو الذي يستمع إلى أغنية “وردي”. فأجابنا بالإيجاب وأصر على إحضار الشريط لنسمعه معه وأعاد تشغيله.. أشار الرجل إلى الطريقة التي كان يعزف بها العازف على المزمار، وقال لنا: لم أسمع في حياتي عزفاً بهذه البراعة على آلة الفلوت، ولهذا أستمع لهذه الأغنية عدة مرات كل يوم. وفيما بعد عرفنا أن تلك الآلة الموسيقية آلة صينية تسمى (تيزا) يعزفها أحد أفراد فرقة الأكروبات. وكان العازف يكرره عدة مرات بأساليب مختلفة وبعدة طبقات صوتية مما زاد العزف روعة.
واستمعنا بطلب من الخواجة إلى العزف الرائع وأعدنا الاستماع لها عدة مرات. وأخيراً نهضنا لنتجه إلى مقر الشركة فأوقف شريط الأغنية. ولكن تأملنا في العزف الرائع لم يتوقف وشعرنا بالفخر أن أحد فنانينا قد حاز على أعجاب خواجة أمريكي.
> سؤال غير خبيث
كم أغنية سودانية انتشرت في العالم وأعجب الناس بموسيقاها؟