لماذا نجحت (الملتقى)؟
لاحظ القراء أنني منذ فترة أطالب بفتح الباب أمام الجماعات الأخرى والاستماع لها. والذين يتابعون هذا القلم منذ أن كنت أكتب في صحيفة (الإنقاذ)، لاحظوا أنني في كل كتاباتي أنادي بفتح كل الأبواب طالما أنها تكب في إطار القانون. وظن هؤلاء وأولئك أنني أطلع على أسرار لم تتح للعامة، وأنني كنت أتوقع التغيير الذي يتحدث عنه الآن. والحقيقة أنني كمتخصص في التاريخ والعلاقات الدولية كنت أتوقع التغيير بعد أن بلغت الإنقاذ الرشد. لقد أصبحت النغمة الآن للجماهير ولم تعد الشعوب قاصرة. والنموذج (الستاليني) لم يعد يجد شعبية مهما كانت الشعارات التي يرفعها ومهما كانت النوايا طيبة.
كنت قد قدمت مثالاً بمجملة (الملتقى) التي كانت تصدر من (دار الإنقاذ)، وقلت إنها أنجح إصدارة في عهد (الإنقاذ). وقلت إنها كانت المجلة الوحيدة في العالم العربي التي تنفد قبل وصولها إلى مقر التوزيع، وإنها كانت تضطر لطباعة طبعة ثانية رغم أنها في الطبعة الأولى طبعت (35) ألف نسخة. وكانت الطبعة الثانية أيضاً (35) ألف، أي أنها كانت تنزل الأسواق سبعين ألف نسخة تنفد كلها في دقائق. وقلت إن هذا النجاح أقلق كثيرين فتآمروا عليها.
ورغم أن معظم العاملين بها يعتقدون أنني خلف ذلك النجاح لأنني كنت أمثل مركزاً قيادياً، إلا أن الحقيقة أن كل من كان بتلك المجلة كان يتصرف وكأنه المسؤول وحده عن نجاحها. ورغم أن عدد محرريها كان أربعة أو خمسة إلا أن هؤلاء النفر القليل كانوا يعدون مواداً تملأ مائة صفحة، لأنها لم تنس أن القاريء يبحث عن المتعة بجانب الفائدة، فكانت كل حواراتها كأنها حكايات لذيذة يلتهمها القاريء وهو يستمتع بها.
تميزت تلك (المجلة) بأنها كانت تطرق المواضيع التي يخشى الجميع طرقها. وهذا أحد أسرار نجاحها أي أنها كانت تسبق الجميع بحواراتها. أذكر عندما غزا “صدام حسين” (الكويت) لقد كانت المجلة هي الوحيدة التي أجرت حواراً مع دبلوماسي أمريكي يعمل في الخرطوم. تحدث فيه عن الغزو وكشف لنا الكثير. وقد أجريت أنا هذا الحوار. وكان المفترض أن يكون الحوار مع السفير لكنه حوله إلى الدبلوماسي، وكان هذا أفضل لأنه تحدث بكل صراحة. وأذكر أن أول عبارة قالها لي عندما عرفته باسمي، أنه قال لي لماذا تهاجمنا باستمرار ولا ترى أن لنا حسنة واحدة. لقد رصدنا كل ما تكتبه فألاحظ أنك تهاجمنا باستمرار.
وكان ردي عليه أنكم أيضاً لا ترون في هذا النظام الإسلامي حسنة واحدة، رغم أنه لم يقل شيئاً ضدكم وسفيركم يتجول بحرية في شوارع الخرطوم، ومع ذلك تصفونه بأنه نظام إرهابي متطرف.
كان الشيخ “الترابي” ممنوعاً من الإدلاء بأي تصريح أو حديث للصحف. وأذكر أنني والزميل “يس إبراهيم” وضعنا خطة لإجراء حوار مع “الترابي” أولاً ثم “محمد إبراهيم نقد” بعده. ونجحنا في إجراء الحوار مع “الترابي” لأنه ظن أنني صحفي عراقي، ولذلك أبدى دهشته حينما قلت له إنني سوداني، أي أنه وافق على الحوار لأنه ظن أنني ما مصرح لي بنشر في السودان. وكنت قد قابلته قبلها بأسبوع في مؤتمر شعبي إسلامي دعا له “الترابي”، واصطدته وهو خارج من قاعة المؤتمر وعرضت عليه الحوار فلم يتردد في الاستجابة.
وعندما جاء دور “محمد إبراهيم نقد” تعبنا في معرفة المنزل الذي يقيم فيه. وبعد أن عرفته ذهبنا أنا والزميل “يس” لزيارته فوجدناه خارجاً ليقول لنا أن لديه موعد مع مسؤول في الأراضي، لأنه حتى ذلك الوقت لم يكن لديه منزل خاص به.
كان تفكيرنا دائماً يسبق التفكير الرسمي. لقد كنا أول من كتب مقالاً يؤيد الحكومة للاتجاه للصين، والاستفادة من تجربتها في الخروج من مجاعة. وبعد مقالي كان “البشير” يشد الرحال إلى الصين في أول زيارة لنظام إسلامي إلى الصين الشعبية. وأذكر أن المقال الذي حمل هذا الاقتراح عنونته (يا سودان إلى الشرق) وهنا ما دفع البعض أن يقولوا إننا كنا ننسق مع الحكومة، والحقيقة أننا كنا نزودها بأفكار. كل ما في الأمر أننا كنا نسبق التفكير الرسمي.
الحقيقة التي لا يعرفها كثيرون أنني والزميل “التاج عثمان” نقلنا إلى مجلة (الملتقى) عقاباً لنا، وكان الراحل “محمد طه محمد أحمد” أول من تنبأ لنا بالنجاح معه؟ وقال لي سيندم هؤلاء الذين أبعدوكم وإنهم أكثر المحررين تشاؤماً. وهذا ما حدث بالفعل إذ أصبحت المجلة تباع في السوق الأسود بخمسة أضعاف سعرها، رغم كل هذا النجاح أوقفت المجلة بعد أن أبعدنا عنها.
سؤال غير خبيث
هل هناك إصدارة في عهد الإنقاذ أنجح من مجلة (الملتقى).