ورحل زعيم (التحول الديمقراطي)
} ترجل “غازي سليمان “المحامي، مأسوفاً عليه، عن دنيا كان يحبها، وحياة عاشها بالطول والعرض، سياسةً ومجتمعاً ومحاماة وعلاقات محلية ودولية. واختار الله أن يأخذ أمانته – المناضل اليساري الديمقراطي الجسور – في يوم (الجمعة)، خير أيام الله، وإنها لحكمة وإنه لبيان!!
} بداية معرفتي بالراحل “غازي سليمان” كانت في النصف الثاني من تسعينيات القرن المنصرم، وكان يومها ملء السمع والبصر. عرفناه زعيماً للمعارضة في الداخل عندما كانت غالبية (المناضلين) خارج الحدود موزعين بين القاهرة وأسمرا ولندن وأمريكا وأستراليا و.. و… وما تزال ثلة منهم هناك، يسوّدون من منافيهم (الاختيارية) الباردة صفحات (النت) بالغث الذي لا سمين فيه!!
} في مكتبه شمال برج (البركة) بالخرطوم، ونحن بعد (محررون) صغار، كان “غازي سليمان ” أول من فتح مكتبه للراحل الزعيم التأريخي للحركة الشعبية “جون قرنق دي مبيور”، إذ جاء صوت “قرنق هادراً ذات يوم عبر هاتف “غازي” مخاطباً – بمكبر صوت – الرأي العام السوداني في مؤتمر صحفي داهمته قوة من الأمن، بينما كان الراحلان الكبيران يحدثاننا عن (التحول الديمقراطي) – ذلك المصطلح الأثير إلى نفس “غازي” -وشعارات (السودان الجديد) التي رحلت مع “قرنق” في حادث تحطم المروحية اليوغندية شرق الأستوائية بعد ثلاثة أسابيع فقط على أدائه القسم نائباً أول لرئيس جمهورية السودان (الواحد الموحد)! انفض المؤتمر الصحفي وصوت “غازي” و”قرنق” يتردد في أركان المكتب!!
} مثل لنا “غازي” (ملح) السياسة السودانية وبهاراتها منذ تسلم (الإنقاذ) السلطة وحتى مجيء قادة وجنرالات الحركة والجيش الشعبي للخرطوم مطلع العام 2005 عقب التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في نيروبي.
} كان يمثل (كل) المعارضة و(بعض) الشعب.. جريئاً في مواقفه، شجاعاً في المنابر وفي (المعتقلات)، لا يزايد أو يستحي من أن يدافع عن موقف اتخذته الحكومة أو (المؤتمر الوطني) ورأى فيه وجاهة، فلم يكن معارضاً من أجل المعارضة وإثبات الذات.
} تنكرت له قيادة (الحركة الشعبية) بعد موت “قرنق” وانفراد “باقان” و”عرمان” بالقرار السياسي، فلم يكونوا شهوداً ونحن نرى بأمهات أعيننا الإخوة الجنوبيين يتزاحمون على مكتبه للمساعدات والتسهيلات والتوصيات للراغبين في السفر للخارج، لم تكن لهم قبلة غير مكتب زعيم التحالف الديمقراطي بالسوق الأفرنجي قريباً من سوق (نيفاشا)، حيث ينشط شباب الدينكا والنوير والاستوائيون منذ ذاك الزمان وحتى يومنا هذا في بيع الملبوسات والأحذية الفاخرة على نواصي شارع الجمهورية.
} قبيل تنفيذ مؤامرة (انفصال الجنوب) اتهمته قيادات في الحركة الشعبية بأنه من ذيول (المؤتمر الوطني)، في وقت كانت تربط “ياسر عرمان” علاقة صداقة مريبة بمدير جهاز الأمن والمخابرات – وقتها – الفريق أول “صلاح عبدالله” (قوش) الذي كان أيضاً شجاعاً وصنديداً وطاقة لا تنفد في عمل المخابرات، اختلفنا أو اتفقنا معه.
} فقدنا برحيل “غازي” واحداً من الوطنيين الأشراف، أستاذاً في مدرسة مختلفة، وزعيماً لم يرث الزعامة ولم ُيخلّف على (طريقة صوفية).. شق وحده الصفوف و(حجز) مكانه بيده !!
} اللهم ارحم “غازي” بقدر رحمتك.. فقد وسعت كل شيء.