المشهد السياسي

الرَبْكَة ليست صحفية فحسب .. وإنما..!

في إطار التعليق والتعقيب على خطاب السيد رئيس الجمهورية – رئيس حزب المؤتمر الوطني – الذي ألقى به مساء (الاثنين) الماضي حول الإصلاح والحوار مع القوى السياسية وغيرها، لام عدد من الزملاء الصحفيين على الصحافة دورها في تضخيم ما كان متوقعاً في الخطاب بالحديث عن (المفاجآت)، مما أحدث (رَبْكَة) في الرأي العام.. والـ(رَبْكَة) ليست صحفية أو إعلامية فحسب.. وإنما هي معاشة ومشاهدة في قوانا الحزبية والسياسية التي غالباً ما تلتزم بأهدافها وأغراضها الخاصة أكثر من الأغراض العامة.
الخطاب جاء في وقت التأم فيه بالعاصمة الخرطوم المؤتمر الاقتصادي العربي، الذي كان موضوعه استغلال واستثمار إمكانات البلاد الزراعية لتصبح سلة غذاء العالم العربي والإسلامي والأفريقي، كما جاء في قرار سابق لرجال الأعمال والصناديق العربية، دعمته المملكة العربية السعودية، ولذلك مردوده الكبير على الاقتصاد السوداني والنهضة الزراعية التي ظللنا نتحدث عنها.
وليس ذلك فحسب، وإنما تبعه ورافقه حديث بعض الدول الغربية كـ “بريطانيا” و”سويسرا” عن إعفاء ديون البلاد الخارجية ودور السودان سياسياً ودبلوماسياً في محيطه الأفريقي وتحديداً دولة جنوب السودان ودولتي أثيوبيا وإريتريا وأفريقيا الوسطى وتشاد، بل الاتحاد الأفريقي وملحقاته التي تعنى بالاستقرار والأمن وتبادل المنافع والمصالح. فالجمهورية المصرية الآن، وقد شعرت بذلك الدور لجمهورية السودان، ظلت تلح على دعم السودان لها في العودة إلى الاتحاد الأفريقي، بعد أن أُتخذ قراراً بحرمانها من ذلك بعد العملية الانقلابية الأخيرة على نظام الرئيس المنتخب د. “محمد مرسي”.
هذا وغيره كثير يشي بأن تلقي القوى السياسية بالاً لذلك، لكونه دعماً للمصلحة العامة وكيفما كانت دواعي البقاء على كرسي القيادة في البلاد.
ولعل الكثيرين استبشروا خيراً والزعامات الحزبية المعارضة المرموقة قد شرفت ذلك المساء خطاب السيد رئيس الجمهورية والحزب الحاكم بالحضور والاستماع إلى الخطاب تلبية للدعوة، ومن أولئك الدكتور “حسن الترابي” أمين عام (المؤتمر الشعبي) والسيد الإمام “الصادق المهدي” رئيس حزب (الأمة القومي) وإمام الأنصار والدكتور “غازي صلاح الدين” رئيس حزب (الإصلاح الآن).. وقد تبعت ذلك كما هو معلوم لقاءات بين الزعماء الثلاثة (كلٌّ على حدة) منتظرين عودة السيد الرئيس من رحلته إلى العاصمة “أديس أبابا” واللقاء بهم وغيرهم في ذلك السياق – أي سياق الحوار الوطني.
الـ (رَبْكَة) هنا أيضاً، وأثناء غياب السيد الرئيس، جاءت من زعامات وقيادات الحزب الحاكم، إذ تحدث بعضهم عن خطاب آخر يلقي به الرئيس للرأي العام، وهو ما تم تصحيحه وانتهى إلى مؤتمر صحفي أو لقاء مع قادة الأحزاب المعارضة وغيرهم.
الصحافة والأجهزة الإعلامية ليست وحدها مصدر (الرَبْكَة) المعنية، وإنما أحزاب المعارضة التي تبدو – وظلت – ليست على قلب رجل واحد، كما يقولون، وذلك على نحو ما نرى ونسمع ونشاهد.
ففي الظرف والوقت الذي ذكرنا فيه أن البلاد تستشرف مرحلة نهضة اقتصادية وسلام ودور مقدر في المنطقة، نجد أن تحالف الأستاذ “أبو عيسى” المعارض يعتبر أن نجاح حضور خطاب السيد الرئيس المشهود، بما في ذلك أقطاب المعارضة، ليس إلا مؤامرة خارجية غربية لدعم النظام الحاكم..! ولا يرى الحل إلا في حكومة قومية وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين من قادة الشغب والتخريب في شهر سبتمبر من العام الماضي، وهم الذين خرجوا وخربوا ودمروا وقتلوا بترتيب من الحزب (الشيوعي السوداني)، باعتراف سكرتيره العام الحالي الذي أدلى بذلك في لقاء صحفي أجري معه، وكان لنا سبق التعليق عليه في (مشهد سياسي) نشر في هذا الحيز يومئذٍ.
تحالف (قوى الإجماع الوطني)، حسب مؤتمر السيد “أبو عيسى” الصحفي الأخير، لا يقبل إلا بوضع انتقالي كامل (سياسي ودستوري) وإلغاء القوانين المقيدة للحريات.
إن إلغاء القوانين المقيدة لا اعتراض عليه، وقد ورد ذكره في خطاب السيد الرئيس.. أما الانتقال السياسي والدستوري الكامل فلن يكون إلا عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية العام المقبل، التي تحتاج إلى ترتيبات قانونية وإجرائية وغيرها، وهي ما يجب البدء به.
يقول السيد “أبو عيسى” ذلك في الوقت الذي يرى فيه الدكتور “محمد الأمين خليفة” الرمز القيادي بـ (حزب المؤتمر الشعبي) أن خطاب السيد الرئيس – الذي كان ممن حضروه – (يتسم بالجدية.. وعليه أن نوقد شمعة خير لنا من أن نجلس ونلعن الظلام..)!
وهذا مخالف تماماً لمرئيات وأطروحات وحكاوي السيد “أبو عيسى” وتحالفه المعارض، ذلك أنه بقى جالساً يلعن الظلام لربع قرن من الزمان ولم يفكر في أن يوقد شمعة كما يفعل الصينيون التزاماً بحكمهم..!
والدكتور “محمد الأمين خليفة” والأستاذ “أحمد عبد الرازق” من قادة (المؤتمر الشعبي) ورموزه اللذين كان لهما رأيهما الإيجابي في خطاب السيد الرئيس الأخير.. يشذ عنهما كما يفعل دوماً السيد “كمال عمر” المحامي.
لقد قال “كمال عمر” رغم أنه من طاقم الحزب الذي حضر وشهد خطاب الحوار الوطني المذكور مع القوى السياسية.. ونشر له ذلك عدد من الصحف:
– نحن وتحالف المعارضة مربوطون مع بعضنا ونحيا ونموت معاً..!!
– ولن نتنازل عن إسقاط النظام.
وبالنظر إلى هذا ونحن نتحدث عن (الرَبْكَة) في الوسط السياسي، شأنها في الوسط الإعلامي والصحفي، نجد أن السيد “كمال عمر”، وله أشباه في أحزاب أخرى، يرمز إلى ذلك الفعل ربما أكثر من غيره في الأحزاب الأخرى، إذ هو بما قال وقد ذكرناه في النقطتين أعلاه لا يعرف قول الدكتور “خليفة” (أن توقد شمعة خير لك من أن تجلس ساكناً وتلعن الظلام..) فهو كأستاذه “فاروق أبو عيسى” يفضل دوماً ألا يلعن الظلام، بل يصر على إسقاط النظام، فهو لا يرى جديداً أو جدية ولا ينعم بفطرة الفأل الحسن.
إن البلاد تحتاج إلى أن تُقرأ الأمور على وجهها الصحيح والمطلوب والذي يبعد عن الغلواء. فالسيد رئيس اتحاد أصحاب العمل “سعود البرير” وصف ما جاء في الخطاب بأنه جيد بالنسبة لمحددات النهضة الاقتصادية والأساسيات في المجال الاقتصادي كمحاربة الفقر والبطالة والسياسات الضريبية والجمركية…الخ..
وعلى الأحزاب في هذه الحالة (حاكمة ومعارضة) أن تنأى بنفسها عن (الرَبْكَة) ومسبباتها تضارباً في الأفكار والمعلومات أو تناقضاً في القرارات والسياسات.
والله المستعان

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية