رأي

متاعب التدريس

لكل مهنة متاعبها وطرائفها التي يتبادلها أبناء المهنة في مجالسهم الخاصة، لأنهم لا يستطيعون ذلك في مكان آخر. ومهنة التدريس هي أكثر المهن ذات الطرائف التي يتناولها المعلمون في مجالسهم الخاصة.
من الطرائف تلك القصة عن أحد أبناء الخرطوم الذين شاء حظه أن يكون في إحدى مناطق غرب السودان. وكانت تلك القرية تتلقى تموينها الأسبوعي من أحد اللواري الذي يأتيها بالسكر والشاي وغيره من حاجات الإنسان. وكان حضور هذا اللوري يمثل فرحة كبرى لأهل القرية. وحدث أن تأخر اللوري عن ميعاده الأسبوعي. وتطلع الناس لمجيئه في قلق. وفي هذه الفترة وصل الأستاذ الجديد ابن العاصمة. وعندما وصل اللوري بعد طول انتظار اندفع كل التلاميذ لاستقباله وتركوا المدرسة خالية، فخرج الأستاذ ابن العاصمة وذهب إلى مكتب المدير محتجاً. ولم يخفِ غضبه. ولكن المدير هدأه بقوله: في المرة القادمة عندما يحضر هذا اللوري ستسبق التلاميذ لاستقباله.
نقلت إلى مدرسة ثانوية في إحدى القرى. ولما سألت عن البص الذي يوصل إليها أشاروا إلى لوري محمل بالبضائع، وقالوا لي هو البص فأحرص ألا يفوتك، وركبت اللوري مع مجموعة من الأغنام. وتحرك بنا اللوري بعد انتظار طويل. وكان طريقاً شاقاً لأنه يشق أرضاً زراعية وفي بعض الأحيان كان اللوري يسير على حافة ترعة تتوقع أن يسقط فيها في أي لحظة. وأخيراً سألت المساعد عن زمن الرحلة فقال لي: في ساعتين يا المناقل يا المقابر. وكان هو شعار اللوري. وظننت أن المناقل نهاية رحلتي لكني علمت أنه علىّ أن أركب بصاً لمسافة ساعة أخرى. ووصلت أخيراً إلى المدرسة التي كان قربها منازل للمعلمين واقتحمنا أنا وأستاذ آخر أحدها للإقامة، وكان علينا أن ندبر أمر طعامنا وشرابنا وعدنا لنطبخ بأنفسنا طعام الغداء. وكان هذا أمراً غريباً علىّ أنا ود الخرطوم، ولكني تعلمت غصباً عني وهكذا يتعلم المعلمون من الحياة الكثير.
في المدرسة السابقة وكانت في الدمازين كان علينا أن نسير لمسافة كيلومترين ذهاباً ومثلهما في العودة، عبر أرض تغطيها الأعشاب الطويلة والثعابين التي كانت تتجول تحت أقدامنا باستمرار. وكان شيئاً عادياً أن تجد ثعباناً ينام في الحمام لأنه وجده مرطباً. وأكثر من عادي أن يطارد الناس ثعباناً اقتحم ملعباً لكرة القدم خلال إحدى المباريات.
في إجازة الفترة كان علىّ أن أصحب الطلاب في الرحلة بالقطار إلى الخرطوم. وخلال هذه الرحلة ذهب الطلاب للجلوس على سقف القطار. وكان الوقت ليلاً عندما طلب مني المدير إنزال الطلاب. وكان القطار ينطلق بأقصى سرعته. وكنت أطوف على كل عربات القطار لإنزال الطلاب، وكنت عرضة للسقوط في أي لحظة. ولازلت أذكر تلك الرحلة برعب شديد وأحمد الله أنه نجاني من السقوط ونجاحي في المهمة الشاقة. وهذه المهنة تختلف عن غيرها في أنها تضعك أمام تحديات غير عادية لا تصادفها في المهن الأخرى.
> سؤال غير خبيث
هل هنالك مهنة أخرى بها متاعب أكثر من التدريس؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية