القمة الأفريقيّة .. البحث عن سلام جنوب السودان في أحراش أفريقيا
تلتئم بالعاصمة الإثيوبية «أديس أبابا»، اليوم وغداً، فعاليات القمة الأفريقية الـ (22) التي تتصدرها مناقشة عملية السلام في جنوب السودان. وقد وصل الرئيس «عمر البشير» أول أمس إلى أديس أبابا يرافقه وزيرا الرئاسة «صلاح الدين ونسي» والزراعة «إبراهيم محمود حامد»، ومدير جهاز الأمن والمخابرات «محمد عطا المولى».
ونظر المجلس التنفيذي (الوزاري) للاتحاد، في دورته الــ (24) باجتماعاته التي انطلقت (الاثنين) الماضي، نظر في انتخاب عشرة أعضاء في مجلس السلم والأمن الأفريقي لدورة تمتد عامين، بجانب انتخاب رئيس ونائب رئيس مجلس الجامعة الأفريقية.
وتتضمن مناقشات الوزراء بحث التقرير السنوي للمفوضية للعام 2013م، بجانب عدد من التقارير تتضمن تقرير لجنة الممثلين الدائمين وتوصياتهم بشأن تقرير المفوضية عن تنفيذ المقررات السابقة للمجلس التنفيذي والمؤتمر، والتقرير المرحلي للمفوضية عن أجندة أفريقيا للعام 2063م. كما يناقش المجلس الوزاري تقارير أجهزة الاتحاد الأفريقي، وتقارير دورات الاجتماعات والأنشطة الوزارية التي عقدت خلال العام 2013م.
إطلاق سراح سبعة من الأسرى
حكومة الجنوب يبدو أنها سعت إلى تهيئة الأجواء قبيل انطلاق القمة الأفريقية التي يأتي على رأس أولوياتها قضية السلام في الدولة الوليدة، فقد علمت (المجهر) أمس من مصادرها بدولة الجنوب عن إطلاق سراح سبعة معتقلين أمس الأول من مجموع (11) معتقلاً، ينتمون إلى مجموعة نائب الرئيس المُقال «رياك مشار»، في بادرة عدّها مراقبون من قبيل إظهار حسن النوايا من جانب حكومة جوبا، فيما أبقي على القياديين بالحركة الشعبية رهن الاعتقال.
ويأتي إطلاق سراح المعتقلين لتأكيد تصريحات وزير خارجية جنوب السودان «برنابا بنجامين»، الذي قال عقب الجلسة الافتتاحية للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي: إن دولة جنوب السودان بذلت جهداً كبيراً مع وساطة إيقاد في وقف إطلاق النار.
يذكر أن ملف المعتقلين كان حجر عثرة في مفاوضات وفدي دولة جنوب السودان، التي توجت (الخميس) الماضي بتوقيع اتفاق لوقف العدائيات، يستمر العمل به حتى السابع من فبراير، بعد مفاوضات مضنية بين الطرفين بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا.
ومنذ منتصف ديسمبر الماضي، دارت في جنوب السودان مواجهات دموية بين القوات الحكومية ومسلحين مناوئين لها تابعين لـ»مشار»، الذي يتهمه الرئيس بمحاولة الانقلاب عليه عسكرياً، وهو الأمر الذي ينفيه «مشار».
وأشارت تقارير إلى مقتل أكثر من (10) آلاف شخص، وتشريد (400) ألف آخرين بسبب القتال الذي اندلع في أحدث دولة في العالم، منذ منتصف ديسمبر.
موقف السودان من الصراع الدائر
موقف السودان من الصراع الذي يدور في دولة الجنوب يقوم على حل النزاع سلمياً، ووجد إشادة واستحساناً من وزراء خارجية دول الاتحاد الأفريقي، لأنه ارتكز على الحل الشامل لكل الأطراف.
وكان السودان قد أعلن من قبل أن الجهود التي يمكن أن يبذلها تجاه الصراع بدولة الجنوب ستكون في الإطار الإقليمي عبر مجموعة الإيقاد والوساطة العاملة بها، وذات الأمر أكده أستاذ العلوم السياسية د. «صفوت فانوس» الذي أشار إلى الدور الرئيسي للسودان الذي له خبرته ومكانته واحترامه، وله دور تاريخي في صنع السلام في دولة الجنوب، إلا أنه أضاف أن دور السودان في إنهاء الصراع الدائر في أحراش الجنوب ينحصر في دوره داخل الـ (إيقاد) وليس كدور فردي، وأضاف «فانوس» في حديثه لـ(المجهر) أمس: (فعلياً نحن أكبر المتضررين من الحرب في الجنوب لأننا فقدنا نصيبنا من 80 ألف برميل بترول توقف إنتاجه، بالإضافة إلى اللاجئين الذين سيتدفقون بكثافة كبيرة على أراضي السودان). إلا أن د. «حمد عمر حاوي» أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري يعتقد أن السودان غارق في مشكلاته وأزماته الداخلية، وله تاريخ طويل جداً مع جنوب السودان من الخلافات والنظرة السلبية، وهذه التعقيدات لا تمكن السودان من لعب دور أساسي إلا من خلال مبادرة الـ (إيقاد).
القمة الأفريقية.. البحث عن الأمل
تنعقد القمة الأفريقية اليوم، ويحدق أهالي جنوب السودان صوب الأراضي الإثيوبية، وهم يمنون أنفسهم بتوقف الحرب التي قضت على كثير من الزرع والضرع والناس.. آمال معقودة على ناصية بلاد الأمهرا، أكدها د. «فانوس» بقوله: إن من مصلحة «سلفاكير» و»رياك مشار» إيقاف الحرب الدائرة في الجنوب والوصول إلى حل سياسي، مبيناً أن تقديم كل طرف تنازلات للآخر يعدّ شيئاً إيجابياً، وأضاف: «رياك مشار» إذا استجاب إلى وقف العدائيات فإن الحل السلمي سيستمر. وأوضح د. «فانوس» أن الثارات والعداوات يمكن أن تنتهي عن طريق الحلول السلمية، خاتماً حديثه بأنه لا يتوقع أي شيء غير مألوف، ولكن يبقى توازن القوى في الجنوب هو المحك الحقيقي لتطور الأحداث فيه.
وعلى نقيض اللهجة التفاؤلية التي تحدث بها د. «فانوس»، أبدى د. «حمد حاوي» تشاؤمه المطلق مستبعداً خروج القمة باختراق حقيقي لقضية الجنوب قائلاً: (لا أتوقع أي اختراق، لأن القضية في الجنوب قضية ميدانية والحل فيها حل ميداني وداخلي أكثر من كونه خارجياً، وحتى الأفارقة أنفسهم منقسمون وليسوا على قلب رجل واحد، لأن بينهم خلافات ولديهم مصالح متضاربة ومعقدة في جنوب السودان). وأردف: (أعتقد أن القضية ستأخذ وقتاً طويلاً على الأرض، ولن تُوقف العدائيات والمصادمات والانتهاكات، والحل في النهاية حل سياسي وداخلي). وتابع د.»حمد»: (حتى لو تم الضغط على الطرفين واستجابا استجابة كاملة، فهذا لا يعني أن الأوضاع في الجنوب قد حلت تماماً لأنها لن تستمر إلا بعدة معطيات أخرى، ويجب أن تدخل فيها قيادات ميدانية وقوات على الأرض، لأن طبيعة المجتمع قبلي وريفي، لا تحل قضاياه بوصايا خارجية، لأن هناك مرارات على الأرض ستظل موجودة).
قمة تحديات بدون «مصر»
القمة الأفريقية التي تنطلق اليوم، كان مقرراً لها أن تناقش قضايا الزراعة والأمن الاقتصادي، لكن حدة النزاع في دولتي جنوب السودان وأفريقيا الوسطى فرض عليها تغيير البرنامج، وستكون أمام محك حقيقي للأفارقة في كيفية الوصول إلى حلول وقتية ناجعة لقضايا القارة التي يعيش أغلب سكانها أسفل خط الفقر.. وربما الأدوار الدولية لن تكون بعيدة، وستكون هناك مشاركات من عدة جهات دولية، فيما ستشهد القمة غياب مصر عنها ربما لأول مرة منذ نحو (50) عاماً. وقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأثيوبية السفير «دينا مفتي» إنه من المفترض مشاركة (37) رئيس دولة وحكومة في القمة الثانية والعشرين للاتحاد الأفريقي بأديس أبابا.. ويأتي إقصاء واستثناء مصر هذا العام من التمثيل في القمة الأفريقية، لأن الاتحاد الأفريقي لا يعترف حتى الآن بسلطة الانقلاب في مصر، عادّاً إياها سلطة منقلبة عسكرياً وغير شرعية.
كما يبحث مجلس السلم الأفريقي، على هامش القمة الأفريقية، ملف تجميد عضوية مصر في مجلس السلم وفي الاتحاد الأفريقي، وهو الأمر الذي دعا مصر إلى التحرك وتوسيط رئيس السودان لإنهاء تجميد عضوية مصر في المنظمة الأفريقية.