أخبار

خطاب ثان..

} لا خلاف على أهمية القضايا الأربع التي وردت في خطاب الرئيس الذي أثار الجدل في الساحة السياسية، ولكن المتفق عليه أن مفردات خطاب الرئيس عصية على الفهم لشعب تتفشى الأمية في قطاع عريض منه.. وجاء إعلان البروفسور “إبراهيم غندور” مساعد رئيس الجمهورية بمخاطبة الرئيس للشعب السوداني مرة أخرى الأسبوع القادم كاعتراف من القصر الرئاسي بأن خطاب الرئيس لم يبلغ الشعب السوداني بمقاصده الواردة في متن وحواشي الخطاب الذي كتب بلغة تراثية من كهوف التاريخ، ربما وجدت ارتياحاً لدى الصفوة من حراس اللغة القديمة، ومن هؤلاء د.”حسن الترابي” زعيم المؤتمر الشعبي، ود.”منصور خالد” ورغم تباين مواقفهما وتشابك معاركهما لسنوات طويلة، فالرجلان من حراس اللغة الكلاسيكية وتعجبهما الاشتقاقات اللغوية المستحدثة من التراث الإسلامي في الخطاب الشفاهي والمكتوب.. والبروفسور “إبراهيم غندور” الذي يمثل مدرسة الواقعية السياسية لم يجد حرجاً في الاعتراف بواقع أن خطاب “البشير” عصيٌ على الشعب إدراك مقاصده.. وحينما (اشتكل) على الاقتصاديين في جبهة الحكومة في سبتمبر من العام الماضي شرح أسباب ودواعي الزيادات التي تنوي الحكومة القيام بها لإنقاذ الأوضاع الاقتصادية من حافة السقوط، ووجد وزير المالية حينذاك “علي محمود عبد الرسول” مصاعب في شرح نوايا حكومته.. تولى الرئيس “عمر البشير” بنفسه المهمة ونجح بطريقته المباشرة والصريحة في تقديم رؤية اقتصادية أقنعت النخب قبل الشعب بأن ما تسعى إليه الحكومة من قرارات برفع الدعم عن المحروقات ضرورة وخيار لا تملك الحكومة دونه خياراً آخر.
} والآن يعود الرئيس لمخاطبة الشعب للمرة الثانية (لتفسير العسير في شرح خطاب البشير) كما جاء في وسائط التواصل الاجتماعي التي أصبحت مصدراً لتفريج الهم والكدر وغسل الدواخل المحزونة المتعبة بطرائف وملح وقفشات، ومثلما للمصريين براعة في (النكات) والقفشات أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي فضاءً إعلامياً (منفلتاً) من عقال الرقابة وقيود الحكومة على التعبير.
} لكن ما جدوى خطاب ثانٍ لرئيس الجمهورية؟ هل سيذهب لتفسير العسير من الجمل والتعابير أم لطرح رؤية المؤتمر الوطني التي ينبغي له طرحها داخل غرف التفاوض مع الآخرين من الأحزاب حتى لا يبدو المؤتمر الوطني وصياً على الحوار وله مواقف مسبقة لن ترتضي بها القوى السياسية الأخرى إن هو طرحها في المزاد العلني مهما كانت مقبولية وواقعية رؤيته نحو قضايا السلام والاقتصاد والهوية.
} والأحرى بحزب المؤتمر الوطني الحاكم تشكيل لجانه التفاوضية مع الأحزاب المعارضة وصياغة رؤيته حول الحريات والسلام وقانون الانتخابات والدفع بها للآخرين والإقبال بذهن مفتوح على دراسة آراء أحزاب الأمة والمؤتمر الشعبي التي بعد حضورها لقاء الرئيس تقدمت بخطوة أخرى نحو الوطني بتشكيل لجان لدراسة خطاب الرئيس، فإذا (اشتكل) فهم تعابير الخطاب على عامة الناس فلا منطق سياسي الآن يدعو الرئيس لإلقاء خطاب جديد لتفسير ما قاله بالأمس؟
وإعلان البروفسور “غندور” رغم واقعيته إلا أن الرئيس إذا أقبل على إلقاء خطاب جديد في غضون أسبوع واحد يرتكب خطأ سياسياً غير مبرر، وليتحدث الرئيس بعد بدء الحوار مع الأحزاب في مقبل الأيام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية