خطاب الرئيس.. في عيون المعارضين
حظي خطاب الرئيس «البشير» الذي ألقاه أول أمس بقاعة الصداقة، باهتمام واسع من كافة أفراد المجتمع السوداني، باختلاف مستوياتهم العلمية وتطلعاتهم السياسية والفكرية. وكان الظن أن هناك قراراً كبيراً سيدفع به الرئيس، سواء أكان سياسياً أو اقتصادياً يغير مجرى مسار الحكم في السودان . وهذا السبب قد يكون أسهم في إحباط عدد كبير منهم بعد سماعه لأن حجم التوقعات كان أكبر مما قيل، لكن بالمقابل هناك من أكد بأن الخطاب حمل بعض المستجدات والتحولات التي وردت لأول مرة في خطاب الرئيس، مثل الحديث عن إنعاش الهوية التاريخية والحوار مع الحركات المسلحة، حال أقبلت عليه وتركت العنف، بغير أن تتنازل عن ما تطرح من رؤى. وهذه تشير إلى تحولات جديدة حيث كان الناس يحفظون خطاباً لـ»البشير»، تحدث فيه عن عدم التفاوض مع الحركات المسلحة حسب ما قالوا، إلا أنهم أعابوا اللغة المعقدة التي صيغ بها الخطاب الذي وزعت دعوة حضوره عبر الإعلام المكثف إلى كل السودانيين. وبالفعل قاد ذلك إلى اهتمام ربات البيوت والتجار وأصحاب الحرف الهامشية والمزارعين، إلى حجز مقاعدهم أمام شاشات القنوات المحلية التي نقلت الحدث. يتطلعون إلى خطاب إجرائي يتوافق مع رغباتهم وكل كان يغني ليلاه، إلا أن لغة الخطاب احتوت على مؤشرات عامة. وأكد ذلك دكتور «غازي صلاح الدين» في أول تعليق له حينما قال: (هذه الورقة لحوار ومطلوب من القوى السياسية تقديم وجهة نظرها حول هذه المحاور الأربعة، لكن الأهم من ذلك ما هي الخطوات العملية بإسقاط قراراتنا على المواطن البسيط وحياته المستقبلي).
وكان هذا ذات السؤال الذي طرحه المواطن «حاج أحمد» الذي كان ينتظر خطوات مسماة، لكن قد تكون هذه الإشارات العامة مقصودة في حد ذاتها، حتى لايضع الخطاب السلطة الحاكمة والمؤتمر الوطني في التزام تفصيلي، أمام القوى السياسية المعارضة والمواطنين.
أما «الترابي» فيبدو أنه غير مرتاح لمخرجات اللقاء، والدليل على ذلك أنه قال للإعلام : (على ماذا نعلق لابد من قضايا نعلق عليها، هل سمعتم بسط حريات الإعلام والأحزاب، هل بشرنا بانفراج أنا لم أسمع ذلك)، موضحاً أن الرئيس بسط شيئاً من الشعارات المجردة والسلام عليكم. وأضاف الكلام في الصحف عن التوقعات كثير وخاب كله، كذلك من التقوا به بعد خطاب «البشير» أكدوا إحباط «الترابي» بما تم طرحه.
بالنسبة لزعيم حزب الأمة القومي رغم أن كل المعلومات تؤكد وجود حالة إحباط وسط بعض قياداته من مشاركة الإمام «الصادق»، لكن بالمقابل لم تكن مشاركته مستغربة فسبق أن جمعته حوارات ولقاءات بقادة حزب المؤتمر الوطني.
المتفائلون من جانبهم نظروا إلى دعوة الحوار مع الحركات المسلحة بإيجابية، واعتبروا أن اللغة الجديدة التي صاحبتها يمكن أن تكون بمثابة حسن نية وعربوناً لترميم الثقة المفقودة. وهذا بدوره يمكن أن يقود إلى تفاوض ينهي حالة الاحتراب التي أثرت على الاستقرار السياسي والاقتصادي. وإذا حسمت هذه الملفات سيُحل جزء كبير من أزمات البلاد. ويبدو أن هناك رغبة دولية في طي هذا الملف لاسيما أن بعض دول الإقليم تعيش حالة من عدم الاستقرار، بجانب صرف هذه القوى الدولية على الحركات المتمردة في تلك المنطقة. وما يشير إلى هذه أن «البشير» في لقائه بـ»جيمي كارتر» أعلن عن خطوته المهمة، وبالمقابل سبق أن قال السفير الأمريكي في السودان لإحدى الصحف، إن دولته لها تأثيراً في الواقع السوداني الداخلي، كذلك طرح الحوار في الطاولة ومطالبة القوى السياسية بتقديم رؤاها يعتبر أسلوباً جديداً، كما أن الإقرار بضيق المعيشة والبطالة فيه اعتراف صريح. وأهل الطب يقولون لابد من فتح الجروح وتحديد الألم، فالخطاب حدد موضع الألم ووجع الشعب السوداني.
رغم ذلك هناك ثمة إشارات اتفقت حولها شرائح كبيرة مختلفة في فهمها وتوجهاتها، هي أن الخطاب لم يأتِ بجديد يذكر وكان مبهماً في كثير من جوانبه، واعتمد على اللغة الفلسفية التي لم يفهمها بعض المواطنين الذين حرصوا على سماعه.
من ناحيته قال القيادي بالمؤتمر الشعبي «أبو بكر عبد الرازق»، إن الخطاب كان مضيعة لوقت الشعب السوداني. وأكد نية الإنقاذ الاستمرار في السياسة التي دأبت عليها، مضيفاً أنه كان غير مبين من ناحية الأهداف والمقاصد والمقترحات المرجوة لحل الأزمة الوطنية. وكل ما أكد عليه أن الرئيس والمؤتمر الوطني باقون في سدة الحكم. وحول مشاركة حزبه في هذا اللقاء قال «أبو بكر» إن المؤتمر الشعبي أخطأ خطأ الشاطر في حضوره وإهداره لوقته، وكان أفضل لـ»الترابي» أن يستفيد من هذا الزمن في كتابة التفسير بدلاً من حضور هذه المسرحية الهزلية.
وعد الأمر تقديراً خاطئاً من الأمانة العامة لحزبه والأمين العام وخطوة غير موفقة.
وقال»أبو بكر» إن حزبه عمل وفق تقديرات المثل القائل (الكذاب وصلو الباب)، وعلى أساس إن كان هناك جديد في الخطاب فسيتعاملون معه تعاملاً إيجابياً من أجل خروج البلاد من حالة التأزم، وإن لم يكن هناك جديد، جدد حزبه الإعلان الداعي إلى إسقاط النظام بثورة شعبية.
إلا أن هناك من يعتقد أن دكتور «الترابي» لن يكسر حاجز المقاطعة مع المؤتمر الوطني، إن لم يكن على علم بما سيقوله «البشير» أو كان فعلاً يجري حواراً خلف القاعات المغلقة أفضى إلى مشاركته في هذا اللقاء الرئاسي، وبالتالي هؤلاء يختلفون مع من يقولون إن «الترابي» دخل مغامرة غير محسوبة أو (وقّع شيك على بلاط).
لكن في نفس الوقت لايستبعدون أن يكون هناك تيار في المؤتمر الشعبي أصبح في الفترة الأخيرة، ضاغطاً على القيادة تجاه التصالح مع التنظيمات الإسلامية، ومؤثراً في قرارات الحزب الإستراتيجية، على خلفية ما حدث في مصر من قبل «السيسي». ومن بين هؤلاء شخصيات تاريخية عرفت بقربها من «الترابي» وعلاقتها المتميزة مع «البشير». ومنذ ذلك الحين بدأت العلاقة تفتر مع قوى الإجماع الوطني. وزاد الأمر تعقيداً بعد حصول المؤتمر الشعبي على مقعد في انتخابات المحامين، إلى درجة دعت بعض أحزاب التحالف المحسوبة على اليسار، أن تفكر في عمل تحالف يجمع قوى اليسار. وبالمقابل حاولت بعض قيادات التحالف عمل تنسيقية الثورة السودانية دون علم المؤتمر الشعبي. وعلى ضوء ذلك اهتمت الأوساط السياسية أمس بموقف قوى التحالف المعارض التي لم تشارك تجاه من شاركوا. وتوقع بعضهم أن تحدث بعض الاختلافات، لكن بحسب مواقع التواصل الاجتماعي أن
قوى الإجماع الوطني بعد تقييمها لخطاب الرئيس «البشير»، قالت مشاركة حزبي المؤتمر الشعبي و الأمة القومي لن يؤثر على وحدة التحالف، فيما كشف رئيس تحالف الإجماع الوطني «فاروق أبو عيسى» لـ (المجهر)، عن اجتماع لقادة قوى الاجماع يعقد اليوم ويتناول الموقف من مشاركة حزبي المؤتمر الشعبي والأمة القومي وتقييم خطاب «البشير»، معتبراً حضور حزبي المؤتمر الشعبي والأمة القومي بمثابة إضعاف لقوى الاجماع الوطني.هذا الحديث جعل المراقبين يتحدثون عن أزمة خطاب داخل قوى الإجماع الوطني.
أخيراًهل يستطيع المؤتمر الوطني تسويق مشروع الوثبة وسط قوى التحالف وتحقيق كسب سياسي، كما فعل مع وثيقة الإصلاح، أم سيغادر المشاركون حقل الواثبين.