مشاهد من القاعة الرئاسية لخطاب" البشير" للأمة السودانية:
في القاعة الرئاسية بقاعة الصداقة مساء أمس (الاثنين) كان المشهد السياسي للسودان في المرحلة القادمة يتضح. الشيخ “حسن عبد الله الترابي” و”غازي صلاح الدين” والإمام “الصادق المهدي” ومن خلفهم طلاسم لم يعرف سرها وتعويذات رددتها أركان القاعة وهي تشدو (أمتي يا أمة الأمجاد)، وبين الحين والآخر كان المقطع الصوتي يعطي مؤشراً سياسياً (لا أبالي.. لا أبالي).
من كل حدب وصوب جاءت الأحزاب السياسية المعارضة لتستمع إلى “خطاب رئيس الجمهورية للأمة السودانية”، هكذا هو العنوان في اللافتة وأنوار القاعة تضيء ملامح مرحلة فصلها الرئيس “عمر البشير”.
دخل مساعد الرئيس (السابق) “نافع علي نافع” من البوابة الخلفية للقاعة على غير العادة، لم ينتبه إليه إلا الحرس ولكنه أخذ مقعده في الصف الأول، وجاء النائب الأول (السابق) “علي عثمان محمد طه” عبر البوابة الأمامية وخطف بريق القاعة واهتمامها، وفي تمام الساعة التاسعة مساء دخل الشيخ “حسن الترابي” وألقى تحية السلام على “غازي صلاح الدين” وصافح مساعد الرئيس “عبد الرحمن الصادق المهدي” وجلس وسطهم وبجواره “جعفر الصادق” نجل مولانا “محمد عثمان الميرغني”، واكتفى برفع يديه لتحية بقية قيادات المؤتمر الوطني. ومن بعده جاء رئيس حزب الأمة القومي الإمام “الصادق المهدي” وجلس إلى جوار “الشيخ الترابي”، وبعد دقائق معدودة دخل رئيس الجمهورية “عمر البشير” وبمعيته مساعده “إبراهيم غندور” واتخذا من المنصة الرئيسية مقاماً.
أثار دخول وفد المؤتمر الشعبي بقيادة نائب الأمين العام “عبد الله حسن أحمد” و”علي شمار” و”كمال عمر” لحظات من الترقب، واكتفى “إبراهيم أحمد عمر” بالجلوس في آخر الصفوف الخلفية، كما جاء “منصور خالد”.
آيات القرآن الكريم كانت تدعو إلى وحدة الصف (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا). وقدم غندور شكره لرؤساء الأحزاب السياسية لتلبيتهم دعوة رئيس الجمهورية لحضور الخطاب، وقال: (هو خطاب لوثيقة كلفت عليها لجان ستخرج لكل أبناء شعبنا ونتمنى من بعد ذلك استجابة لها).
اكتفى “غندور” بكلماته البسيطة وقدم رئيس الجمهورية “عمر البشير” الذي قال: (أخاطبكم في هذه الليلة إذ يستشرف السودان مرحلته الجديدة التي ظل يستشرفها منذ اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م).
وأشار الرئيس في كلمته التي حضرها السفراء المعتمدون إلى تفويت السودانيين للفرصة من بعد الفرصة منذ الاستقلال، وقال: (هذه الوثيقة السودانية لا ينبغي لها أن تكون حزبية ولكنها وطنية شاملة وطموحة وممكنة ونتوجه بها إلى الشعب السوداني كله ولا نستثني منها أحداً).
وأوضح “البشير” أن التحدي الماثل أمام الطبقة السياسية والحزبية أن يعلو الولاء للوطن ويدار الخلاف السياسي بحيث أن الذي يتولى السلطة يدفع ثمنها هو وليس السودان.
ووجه الرئيس النداء للسودانيين ودعا عضوية المؤتمر الوطني للعمل والاستجابة للنهوض، وقال: (إن ما نطلبه من السودانيين عملاً غير سهل يبدأ فيه المؤتمر الوطني بنفسه إعلاءً للولاء الوطني ترحيباً بسباق أهل السودان).
وأضاف: (لكي نحقق أملنا الوطني يجب أن نستحقه أولاً ويكون بيننا التعاون ونذكر أنفسنا أن الزمن لا ينتظر إقصاء بعضنا لبعضنا ويتبع بعضنا غير سبيل السودانيين).
وتناول الرئيس أسباب الضيق في المعيشة، وقال إن موضوع تنفيس الاحتقان السياسي متروك لكل الناس.
كما تناول الرئيس العلاقات الخارجية للسودان ومحيطه الأفريقي والعربي. ودعا الرئيس إلى مقاومة اليأس وعدم الاستسلام له وقال (إن المؤتمر الوطني إذ يتحدى نفسه أولاً يدعو السودانيين للتعرف للواقع وأوجه الخطاب لحزبنا وللشعب السوداني لنعلم أن الإصلاح الذي يراد به الحزب أي حزب يوطن نفسه على القيام بدوره كاملاً).
وقال “البشير” إن الغرض من التهيؤ ليحقق الوثبة الوطنية وعدد أسبابها من بينها تحقيق السلام والمجتمع السياسي الحر متصرفاً في شأنه الوطني بحرية والخروج من المجتمع السوداني من ضعف الفقر وإنعاش الهوية السودانية. وأشار “البشير” إلى وقف الحرب الأهلية وجعل السلام أولوية ليست مطلقة واستدل بالشعار الوطني (إن دعا داعي الفداء لن نخن) مع جعل الغاية النبيلة تحقيق السلام كفاية مبتغاة، وزاد بالقول:(هو تحدٍّ كبير لكل الأحزاب أن تضع السلام أولوية والدعوة للسلام والعمل من أجله ليس ضعفاً بل هو إيمان).
ونبه “البشير” إلى أن المؤتمر الوطني قدم نموذجاً بالتوقيع على اتفاقية السلام الشامل واتفاقيات دارفور للسلام.
وأشار الرئيس إلى حرية التسابق السياسي واستعداد المؤتمر الوطني للإقرار لمزيد من الترتيب وتحرير العمل السياسي على مستوى الدستور والإجراءات، وقال: (الدستور الكافي والقانون المنظم والحكم العدل هذه نيتنا ليكمل السودانيون عليها والإجماع بالحد الأدنى والنداء لهم بأن يسهموا في ذلك).
ودعا الرئيس المؤتمر الوطني لتهيئة نفسه. كما دعا الأحزاب إلى التهيؤ للتطلع إلى الحرية السياسية وزاد بالقول:(اللحظة التاريخية قد حانت وعليهم اغتنامها). وكشف عن مساع لتحقيق الإجماع بما في ذلك الحركات المسلحة.
ودعا الرئيس جميع السودانيين إلى كلمة سواء وقال: (إن النهضة الاقتصادية لن تكون إلا بتحقيق السلام وجعل الركيزتين الأساسيتين هما السلام والحريات).
وأشار إلى أن المشاكل التي تستعصي على محاربة الفقر كثيرة، ولكنه نبه إلى الموارد الاقتصادية التي يتمتع بها السودان. ووضع الرئيس جملة من الحلول الاقتصادية ووضع ملامح عامة لذلك، ودعا إلى رفع العقوبات الجائرة على السودان وإعفاء ديونه الخارجية.
وقال إن تحقيق تلك الإصلاحات يحتاج إلى مراجعة المؤسسات وتحسين أدائها ورفع كفاءتها وتأهيلها وتأسيس وكالة للتخطيط الاقتصادي وتأسيس جهاز قومي للإيرادات.
ونوه الرئيس إلى أنه لا ينبغي الاختلاف حول الهوية السودانية، وأشار إلى أنه موضوع مناظرة لكل الناس.
كما تناول الرئيس العلاقات الخارجية والوحدة الوطنية للبلاد، ووضع السودان (4) ركائز للإصلاح الجذري.
وقال إن الحوار الوطني واجب وممكن لتحقيق الإجماع وهو حوار وطني قومي ولا يستثني حتى الجماعات المسلحة وهو حوار سوداني، معلناً استعداد حزبه لقبول الآراء المسؤولة، مؤكداً بأنه حوار جاد.
استغرق خطاب الرئيس (50) دقيقة. وشكر “غندور” مرة أخرى الحضور.
وقال أمين العلاقات السياسية بالمؤتمر الوطني “مصطفى عثمان إسماعيل” لـ(المجهر) عقب الخطاب إن حزبه وجه الدعوة لكل القوى السياسية المعارضة لحضور خطاب الرئيس “عمر البشير” بما في ذلك الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي. وأضاف بالقول: (سلمنا الحزب الشيوعي الدعوة والخطوة القادمة أن نجمع كل الأحزاب على طاولة واحدة لتطرح الأحزاب رؤاها للمرحلة القادمة)، وزاد بالقول: (بعد عودة الرئيس “عمر البشير” من القمة الأفريقية سترتب لقاءات ثنائية مع الأحزاب تسبق اللقاء الجامع).
الصحفيون يحاصرون “الترابي” بالأسئلة:
حاصر الصحفيون عقب خطاب الرئيس الأمين العام للمؤتمر الشعبي” حسن الترابي” بالأسئلة فرد عليهم بابتسامته المعهودة:) الحوار القادم يمثل بداية جديدة لحل أزمات السودان). وأشار إلى أن اللقاءات القادمة ستبحث كل القضايا، وعندما سئل عن تقييمه لخطاب الرئيس رد: (لو قلتم أنتم لرميتموني وعلى أي شيء أعلق؟..لا بد من قضايا لكي أعلق عليها.. ما قاله شعارات لا بأس بها حول السلام والاقتصاد والحريات وهي أشواقكم جميعاً أليس كذلك؟). وتساءل “الترابي” ووضع الصحفيين في مكان الإجابة: (هل سمعتم كلمة قالها عن الأحزاب الأخرى غير السلطة؟ هل سمعتم بكلمة انفراج عنا.. أنا لم أسمع غايتو)، وعندما انتبهنا إليه قبل أن يخرج “الترابي” من القاعة الرئاسية سألناه هل ستستجيب لدعوة الحوار؟ فرد علينا بالقول: (سنستجيب لأي دعوة حوار لأيما أحد يريد أن يحاورك حتى ولو كان فرعون نفسه (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).
وشاغل “الترابي” الصحفيين والإعلاميين بالقول: (أنتم ما لكم علي كده؟ يا دوب دي نسمة حرية كده). وأشار” الترابي” إلى أن الحوار يتطلب مناخ السلام، وتساءل ومعناه أنه لن يبسط القوة ليحارب أحدا أصلاً أليس كذلك؟!)
وهو يقول لنا منذ هذه الليلة أنه لن يبسط القوة ضد صحفي أبداً أو ضد إذاعة أو ضد صحيفة، وعندئذ يجري الحوار كما يجري في العالم… وعندما سأل صحفي” الترابي”: هل هنالك جديد في خطاب الرئيس؟ رد عليه: (أنت هل سمعت جديداً؟) فرد الصحفي: لا، فقال له” الترابي”: (وأنا لي أذنان مثلك) وضحك كل من حوله.
وأشار “الترابي” إلى أنه يلتقي الرئيس في المناسبات الاجتماعية العامة ووصف خطابه بأنه) به تجريدات لشعارات وأهداف واسعة وبعد ذلك يتنزل للناس القضايا والأزمات والمشاكل ليدور حوار حولها بعد ذلك من يريد أن نحاوره نحاوره أيما كان).
تحالف المعارضة واجتماع (الأربعاء)
أصدر تحالف قوى الإجماع الوطني بعد عقده لاجتماع طارئ حول دعوة الرئيس لحضور الخطاب. وأشار البيان إلى أن المؤتمر الشعبي وحزب العدالة الأصل لبيا دعوة المؤتمر الوطني التزاماً بقرار هيئاتهما العليا .وكشف تحالف المعارضة عن اتخاذ تحالف قوى الإجماع الوطني للموقف النهائي بعد الوقوف على ما يتضمنه خطاب الرئيس ومدى اتساق ذلك مع مضمون برنامج البديل الوطني وتعقد الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني يوم) الأربعاء) اجتماعاً للتداول حول الخطاب الرئاسي.