رأي

لقاء «البشير» و«محمد الحسن الميرغني».. ماذا تحت القبعة؟

كان يوماً مشهوداً وعجيباً في تاريخ العلاقة بين (المؤتمر الوطني) و(الاتحادي الديمقراطي الأصل)، تتزاحم في دواخله الاستنتاجات الكثيفة والعلامات المدهشة، فقد تفاكر الرئيس “البشير” خلال الأيام الفائتة ببيت الضيافة مع ثلاثة من صقور الحزب الرافضين للمشاركة والذين لهم مواقف مناهضة حيال الحكومة وهما مولانا “محمد الحسن الميرغني” والأستاذ “حاتم السر” والمحامي “بابكر عبد الرحمن”، وكان مشهد هؤلاء المتطرفين الثلاثة وهم يتفاهمون مع الرئيس “البشير” في أجواء من التفاؤل يضفي على الخطوة ألقاً ونكهة جعل بعض المراقبين في موقف موزع بين الاستغراب والذهول!!
إذا حاولنا إضاءة المصابيح حول فحوى الأجندة التي أُثيرت في اللقاء بين الطرفين، فالشاهد أنها لم تقتصر على مبادرة رئيس الجمهورية حول الإصلاحات السياسية المرتقبة على الساحة السودانية، فالواقع أن هنالك إشارات خفية وقضايا ثنائية ملحة أخذت جزءاً مقدراً على طاولة التفاهمات المشتركة.
سجل العلاقة بين (المؤتمر الوطني) و(الاتحادي الأصل)، يؤكد بأن الطرفين يقفان على مفترق الطرق، فلا توجد صلات متماسكة وكذلك تنعدم حالات المجافاة في التواصل الثنائي، فـ(الاتحادي الأصل) يشتكي من الإهمال والتهميش الذي يمارس على دستورييه في الحكومة وانقلاب أهداف المشاركة من خدمة المواطن إلى الوقوع في عالم الغنائم الذاتية!! وبذات القدر يتحسس (المؤتمر الوطني) من عدم الثبات في موقف الحزب إزاء المشاركة وتعدد المراكز والآراء في (الاتحادي الأصل) حول القرار السياسي.
الهموم الثنائية سارت جنباً إلى جنب مع أبعاد المبادرة الرئاسية.. فما الذي حدث تحت القبعة؟، فالشاهد أن الرئيس “البشير” أراد من الحوار الاستكشافي مع (الاتحادي الأصل) أن يكون معبراً طيباً لقبول مبادرته التي ملأت الآفاق من خلال الاستفادة من مزايا الحزب المتمثلة في الإرث التاريخي واحتكار خط الوسط فضلاً عن كاريزما زعيمه، وفي الضفة الأخرى فطن مولانا “محمد عثمان الميرغني” إلى هذا التكتيك فأرسل عربوناً يساعد على نجاح المبادرة الرئاسية يتمثل في قدرته على التفاهم مع (الجبهة الثورية) للموافقة على مشروع الوفاق الوطني المطروح من خلال علاقته الوثيقة معهم، شريطة أن تكون هنالك جدية ملموسة من الحكومة فعلاً لا قولاً في تطبيق أهداف البرنامج الوطني يفتح الطريق لقيام حكومة قومية.. بل لم يفت على مولانا بأن تأخذ الأحزاب السياسية الكبيرة أوزانها وأحجامها الصحيحة في الحكومة القومية إذا عانقت أرض الواقع، وأن تنتهي مرحلة المحاصصة والمجاملة للتنظيمات الكرتونية.
من هذا المنطق جاءت إشارات الأستاذ “حاتم السر” في الوسائط الإعلامية تتحدث عن أهمية تقديم التنازلات بين الحكومة والمعارضة واستبدال المنهج الحكومي الجاري والعمل على تنفيذ الإصلاحات السياسية لتهيئة المناخ الملائم لتحقيق المصالحة الشاملة وإيقاف المناورات والمكايدات، وعلى ذات القدر توجه مولانا “الحسن” إلى “لندن” لمقابلة والده وهو يحمل بعض المقترحات والتصورات التي لم تظهر على السطح من وحي اللقاء.
في الصورة المقطعية لم يقبل مولانا أن يكون حزبه مادة سائلة لتسليك ماكينة الحوار أو أن يكون حزبه مطية لفتح شهية القوى السياسية للتفاهم من باب المناورات، لذلك أرسل وفداً للحوار بعناية فائقة مكون من الصقور الثلاثة (مولانا الحسن وحاتم السر وبابكر عبد الرحمن) واثنين من المعتدلين هما الخليفة “عبد المجيد عبد الرحيم” والجنرال “أمين عثمان” وذلك في إطار خلق التجاذبات والتوازنات المطلوبة، بل كانت من الأشياء اللافتة حضور “أمين عثمان” إلى الاجتماع من مطار الخرطوم مباشرة، حيث كان في رحلة خارجية عندما أخبره نجله “ارسلان” بالمهمة بتعليمات من مولانا “الحسن”.
مهما يكن فإن لقاء “البشير” بوفد (الاتحادي الأصل) أحدث زلزالاً رهيباً في المشهد السياسي الذي يتوق إلى معرفة المفاجآت الكبيرة المتوقعة.
كان حواراً مهماً عكس ملامح أساسية على السطح، لكن كانت هنالك أشياء مهمة أسفل جبل الجليد!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية