الــدور العـــــربي الغـــــائب
في الأخبار العالمية هذه الأيام أن دول الاتحاد الأوروبي استدعت سفراء الدولة العبرية فيها لتبلغهم احتجاجها واعتراضها على سياستها الرامية إلى تشييد ألف وأربعمائة وحدة سكنية في الأرض الفلسطينية، مما يعد خروجاً على مبدأ الدولتين – الإسرائيلية والفلسطينية – والسلام عموماً في المنطقة.
وهذه خطوة وبادرة تستحق التحية والوقوف عندها، شأن تصريحات وزير الخارجية البريطاني التي قال فيها إن المملكة المتحدة تقف مع جمهورية السودان في مطالبها القاضية بإعفاء ديونها الخارجية.
هذا خارجياً يحدث – وغيره داخلياً كثيرٌ في الدول يحدث – إلا أنه لا يحرك ساكناً في جهات الاختصاص العربية والرأي العام العربي.
فالقضايا والهموم العربية محل اختلاف وتشابك عربي وبخاصة في الألفية الثالثة الحالية، والشواهد أشهر وأوضح مما يشار إليه على الخريطة العربية وأجندة العمل الغائبة.
ورغم ما حدث في قمة الخرطوم في 1967م المعروفة بقمة اللاءات الثلاثة، التي كانت محل رفض للسلام مع الدولة العبرية (إسرائيل)، ومصالحة بين المتخاصمين ودعم مادي للدول التي تأثرت بحرب الأيام الستة، فإن ما جاء بعد ذلك أطاح بكل تلك القيم والموجبات، فغاب التآلف والعمل المشترك كما غاب الشعور بالواجب، وغاب الرأي العام الراشد الذي يدفع إلى الأمام. إذ ما يجري في عدد من البلاد العربية غاب عن أجندة الكُتاب وقادة الرأي العرب، في حين صار محل اهتمام لمراكز الرصد والمتابعة والتعليق وإبداء الرأي في البلاد الأجنبية والأوروبية بشكل خاص..!
بعد أحداث سبتمبر – أيلول 2001 – وقد ظهر ما عرف عالمياً بالحرب على الإرهاب (War on Terror) انقسمت دول الجامعة العربية في عام 2003، وقد استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية – قائد ذلك الملف – وحلفاؤها جمهورية (العراق) العربية بدعوى أنها تعمل للإرهاب وتملك سلاحاً محرماً دولياً، فضلاً عن أنها كانت قد اعتدت قبل ذلك على (الكويت).. ثم انسحبت منها تحت الضغط.
الولايات المتحدة ورغم عدم امتلاكها تفويضاً من الأمم المتحدة وأجهزتها المختصة أعلنت الحرب على (العراق) ونظام رئيسها “صدام حسين”، مما كان محل اختلاف كبير في صفوف الجامعة العربية شأن غزوه دولة (الكويت) وكان هناك من عرفوا بـ:
– أنصار الحل العربي.
– وأنصار الحل الأمريكي.
وكيفما كان الحال دمرت دولة (العراق) وأُزيل نظامها وحكم على رئيسها “صدام حسين” بالإعدام، وتم تفكيك مقومات الدولة وإنجازاتها العلمية والدفاعية التي خلفها الرئيس السابق “صدام” ودخلت البلاد في ما بعد في نزاع وتفكك مجتمعي، إثني، ثقافي، وديني، أدى إلى ما نشهده الآن، وقد مر على ذلك الغزو الأمريكي قرابة الأحد عشر عاماً.
وقد حدث ذلك كله والاتهام الرئيسي فيه (امتلاك أسلحة محظورة دولياً) ولم يعثر على أثر لها، إلا أن مطلب إسرائيل بإزالة المهدد العراقي لأمنها وسلامها في المنطقة – وهي تود الاستحواذ عليها – قد تحقق كما تحقق الوجود الأمريكي في الدولة التي كان يخشى من دعمها ومساندتها لـ (إيران)، بيد أن الأحوال في الناحية كما حدث بعد ذلك قد تبدلت وتغيرت.
وبطرق أخرى جاء الدور بعد ذلك على دول أخرى كان لها صوتها العالي وتأثيرها في المنطقة، ومنها الجمهورية العربية السورية والجماهيرية الليبية وإلى حد ما جمهورية مصر العربية.. حيث اتسمت كل هذه الأقطار وغيرها بعدم الاستقرار وبالتدخل الخارجي وصراع المصالح بين الأقطاب الدولية الكبرى حول ما يجري. ونشير بذلك إلى ما يحدث في الدولة السورية بشكل خاص. فالنزاع بين (روسيا) و(الولايات المتحدة) وغيرهما في هذا الشأن كثير مما أدى إلى تصاعد العنف والأعمال والأفعال اللا إنسانية داخلياً وبشكل مرعب.
مع ذلك لا نشعر بأن:
– للجامعة العربية دوراً يذكر.
– ولا لقادة الرأي والفكر والسياسة في العالم العربي بشكل خاص.
ذلك أن كل الذي يجري الآن حول (جنيف الأولى وجنيف الثانية) هو جدل أمريكي روسي، وإلى حد ما فرنسي، ونحن العرب أهل الشأن لا يسمع لنا صوت بل صوت الجمهورية الإسلامية (إيران) وأعوانها أعلى من الصوت العربي. وإن كان ما يذكر هنا إلى جانب ذلك، فهو الصوت الإسلامي التركي حيث تقوم (تركيا) باستضافة اللاجئين ورعايتهم.
أما بالنسبة لأهل الرأي والفكر والسياسة في المنطقة العربية، فإن العصبية السياسية والفكرية هي التي تحول بين الرأي العام ومعرفة الحقيقة والمصلحة العامة، ففي (سوريا) هناك من يساند “بشار الأسد” ونظامه وحزبه الحاكم كيفما كانت النتيجة على الأرض تقتيلاً وإبادة جماعية وإهلاكاً للموارد والطاقات.. ومن يقف مع الخصوم ودعوتهم لتخلي “الأسد” عن موقعه وكيفما كانت الكُلفة والدماء التي تذهب في سبيل ذلك.
وفي جمهورية مصر العربية – وهي عزيزة – ربما يشهد المرء ذات السيناريو ولكن بشكل أخف.. إلا أن النتيجة واحدة وهي أن الإعلام والسياسة والأمن بشطريه في (مصر) يمضيان على ذات الطريق الذي يُعلي المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وما يذكر في هذا السياق كثير ومثير، فالإعلام في (مصر) مقروءً ومسموعاً ومشاهداً، ينظر بعين واحدة ويسمع بأذن واحدة تقريباً، وقد جعل ذلك الكثيرين خارج مصر وربما داخلها لا يعطون كبير وزن أو ثقة لما يسمعون أو يشاهدون في الشأن المصري إلا من بعض المواقع والألسن والأقلام الخارجية.
إن ما يجري في العزيزة (مصر) منذ الثلاثين من يونيو العام الماضي لا يسر.. غير أن جامعة الدول العربية ومقرها في مدينة (القاهرة)، وأمناوها العامون في الجملة خبرات مصرية، لم ترفع (نقطة نظام) واحدة ضد ما يجري هناك، فالتغييب الكامل للموضوع هو الغالب.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. والجامعة العربية منبر إقليمي صَاحَب ميلاده ميلاد المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) قبل (68) عاماً يستحق هذا النوع من لفت النظر مما وجدت منه الأمم المتحدة في جمعيتها العامة الأخيرة الكثير ومن بعض الدول العربية تحديداً..!
لقد كان الإعلام المصري أقلاماً وكاميرات ومشاهدات في الألفية الثانية وما بعدها بقليل، محل اهتمام وتقدير الآخرين في العالم العربي. فالإعلام الذي كان يطوف الدنيا ويعبرها على رجلين بات بتقديري وربما تقدير آخرين محل سكون وعدم حراك.. جراء زيادة الوزن في الانحياز للنظام ومعاداة الآخر.. وبالضرورة غياب الالتزام بالمواصفات والمقاييس وغيرها من أدوات الجودة في العمل الإعلامي والتسويق السياسي.
وغير أولئك هناك أدوار عربية أخرى غابت، ونتمنى أن تكون حاضرة في ما بعد، ذلك أن حضورها من الضرورات.