رأي

بعد ومسافة

قراءة مختلفة لقرار رفع العقوبات الأمريكية!
مصطفى أبو العزائم

القرارات السياسية تكون دوافعها محددة ونتائجها متوقعة ومحسوبة، ولا تكون نتاج انفعالات عاطفية نتيجة (الحب أو الكره) أو ما يسمونه في الغرب بالـ(Like and dislike)، وهي ليست مثل الغناء أو المنتج الإبداعي عموماً حيث يغني المغني وكل يغني على ليلاه. فالقرارات السياسية المرتبطة بتحديد أو رسم أطر محددة في العلاقة بين دولتين، إنما تقوم على المنفعة العائدة من اتخاذ تلك القرارات، خاصة إذا ما كانت إحدى تلك الدول دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك تم الاتفاق بين الخرطوم وواشنطن على خمسة مسارات يتم بحثها بين الطرفين من خلال اجتماعات مشتركة تتم بالتناوب بين الخرطوم وواشنطن، وهي مكافحة الإرهاب، مكافحة جيش الرب، سلام بدولة جنوب السودان، السلام في السودان والعمل من أجله، والمساعدة الإنسانية للمناطق المتأثرة بالنزاعات في ولايتي كردفان والنيل الأزرق وبعض مناطق دارفور.
رأينا أن نقرأ رفع العقوبات الأمريكية عن السودان بعين أخرى وعقل جديد، ولا نريد القول بأن هناك (صفقة ما) تمت بين القصر الرئاسي في الخرطوم وبين البيت الأبيض في واشنطن دي حسي لم يتضمنها الاتفاق المعلن بين الجانبين على رفع العقوبات، أي أنها ظلت بنوداً خفية أو غير مقروءة إلا للباحث عن طريق عدسة فاحصة تبحث عن خطوط متناهية الصغر تحمل معانٍ وتفسيرات كثيرة ترتبط بغموض صاحب بعض الوقائع والأحداث، دون أن يكون هناك (خيط) يربط بينها وبين القرار الذي فجر ينابيع الأمل لدى المواطن السوداني البسيط قبل أن يدعم موقف النظام سياسياً واقتصادياً، ويعزز وجوده على خارطة الحكم، مع زلزال قوي هز قناعات المعارضة والحركات المسلحة دائمة الحج إلى البيت الأبيض والتي كانت تعقد عليه آمالاً عريضة لمساعدتها في إسقاط نظام الحكم بالسودان.
قلت لصديق مهتم بالشأن العام، وبالشأن السياسي على وجه الخصوص، إن بعض القرارات الداخلية تستوجب الوقوف عندها طويلاً لصدورها قبيل رفع العقوبات الأمريكية، مثل مشروع قانون قوات الدعم السريع الذي تم تقديمه للبرلمان خلال الأسابيع القليلة الماضية، والذي أجيز من قبل البرلمان قبيل الإعلان عن قرار رفع العقوبات الأمريكية، والذي بموجبه حدث تحول كبير جعل من قوات الدعم السريع قوة مسلحة تتبع للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وتعمل تحت إمرة الجيش السوداني بعد أن كانت قوة عسكرية تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وظلت تتعرض لحملات مضادة طوال الفترة الماضية من قبل الحركات المسلحة والمعارضة بحسبان أنها قوات (متفلتة) وغير ملتزمة بالضوابط العسكرية المعروفة، وإنها عبارة عن مليشيات عسكرية خاصة.
نعم.. جرت محاولات عديدة لتشويه صورة قوات الدعم السريع وتحميلها وجهاز الأمن والمخابرات الوطني مسؤولية تفلتات بعض منسوبيها وتصرفاتهم الفردية، وربط منتقدو هذه القوات بينها وبين الجنجويد، إلى أن صدر مشروع قانون قوات الدعم السريع الذي أجيز مؤخراً ليجعل منها قوة خاصة تتبع للقائد الأعلى للقوات المسلحة.
وهناك قرار صدر دون أن ينتبه له الكثيرون، وهو يتعلق بتبعية قوات الدفاع الشعبي للقوات المسلحة، وإلغاء منصب نائب المنسق العام، لتتحول هذه القوات إلى وحدة تتبع للجيش وتعمل تحت إمرته، وقد كانت تواجه سهام نقد حادة من قبل المعارضة على اعتبار أنها قوات أو مليشيات خاصة بالنظام الإسلامي الحاكم.. وهذا بالطبع يقود إلى توقع قرار مماثل بتبعية قوات الشرطة الشعبية إلى رئاسة الشرطة الموحدة تبعية مباشرة لتأخذ هذه المؤسسات وضعية طبيعية داخل منظومة الدولة.
تسارعت خطى التقارب السوداني الأمريكي بعد الخطوات الإصلاحية التي تم بموجبها إبعاد قيادات تاريخية للإنقاذ من مواقع اتخاذ القرار، والدفع بوجوه جديدة إلى مقاعد الحكم، وفي هذا إشارة إلى أن سودان اليوم لم يعد هو سودان الأمس، ولا حكامه اليوم هم حكامه بالأمس.. بل وتسارعت خطى التقارب بين الخرطوم وواشنطن بصورة ملحوظة بعد رحيل الشيخ الدكتور “حسن الترابي” – رحمه الله – الذي كان يمثل روح نظام الحكم، قبيل المفاصلة الأشهر في تاريخ الحركة الإسلامية عام 1999م، وهي الانقلاب الأكبر الذي قاد إلى تحولات كبيرة تحت سمع وبصر الولايات المتحدة الأمريكية والعالم أفضت إلى خطوات جادة من أجل التحول الديمقراطي بعد مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته التي جعلت من لغة الحوار بديلاً للغة الرصاص.
اللهم أحمنا وأحفظنا، واحمِ بلادنا وبلاد المسلمين، اللهم أغفر لنا وأعفُ عنا وأرحمنا يا رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.. آمين.
.. و.. (جمعة) مباركة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية