التجنيبُ فساد!!
} وزراء حكومتنا لا تنقضي عجائبهم، وخاصة القابضين على خزائن المال والمؤتمنين على لقمة (عيش) المواطنين.. ذهب “علي محمود” أكثر وزراء المالية في السودان إثارة للجدل والخلاف، وجاء د. “محمد يوسف” وزير الدولة بتبرير متواطئ مع منهج أقعد ببلادنا، وفتح أبواب الفساد والشبهات، ألا وهو تجنيب الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية لعائداتها المالية في حسابات خاصة، بعيداً عن رقابة وولاية وزارة المالية على تلك الأموال. السيد وزير الدولة د. “محمد يوسف” وهو يتحدث في البرلمان لنواب الشعب يقول إن التجنيب ليس فساداً!!
} إذا كان التجنيب في نظر السيد الوزير ليس فساداً، فكيف يكون الفساد؟! إذا كان السيد الوزير يعتبر الفساد هو أن يستولي وزير أو أي موظف حكومي على المال العام، ويضعه في جيبه أو في حسابات خاصة بهذا الشخص، فإن الأخ الوزير يضيق واسع الفساد لثقب (إبرة)!!
} إذا كانت وزارة إيرادية مثل الكهرباء تحصل من خلال نفوذ وزيرها وقدرته على الوصول لمراكز صناعة القرار، على استثناء يخول لها استخدام الإيرادات الضخمة من المال في مشروعات الوزارة من سدود وإنشاءات عمرانية ومركبات، ووزارة مثل الداخلية لا تستخدم حتى أورنيك (15) في تحصيل المال من المواطنين، و(تجبي) من المواطنين مليارات الجنيهات أسبوعياً، وهي تترصد السيارات المخالفة لقواعد السير من تظليل وعدم ترخيص وربط حزام الأمان واستخدام التلفون أثناء القيادة، وتذهب هذه العائدات لحسابات الداخلية تتصرف فيها بما تمليه عليها أولوياتها!! وحتى أجهزة عدلية لا تستخدم أورنيك (15) في تحصيل الإيرادات وأصبحت بعض الوزارات الحكومية غنية تملك فائضاً من المال ووزارات أخرى فقيرة بائسة جائعة تسأل المالية شهرياً عن التسيير، ولا تنال إلا الفتات.. هل هذا فساد في الأرض وإفساد أم شيء آخر.. يا سيادة الوزير؟!!
} ما الذي جعل السودان يقبع في رأس قائمة الدول الفاسدة في نفسها، وفي كل عام تصدر منظمة الشفافية العالمية تقريرها عن الدول الفاسدة، ويحتل السودان موقعاً لا يليق به بسبب اختلال نظمه المحاسبية والتجنيب ومفارقة منهجه الإداري للقواعد المتعارف عليها عالمياً في إدارة المال في الدولة، وحيلة العاجزين والحائط القصير السهل يتكئ السودان دوماً على ذريعة (الاستهداف).. لأنه يطبق الشريعة الإسلامية والنظام الاقتصادي الإسلامي وحرَّر قراره لذلك يصبغ بالفساد!!
بينما نظام إسلامي مثل تركيا تنهض فيه الدولة على قواعد من الشفافية وحسن الإدارة ومحاربة الفساد، لينهض الاقتصاد التركي خلال أربع سنوات، وتنال تركيا شهادة حسن سير وكفاءة تجعلها ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي، فلماذا تستخدم المعايير غير العادلة بحق السودان فقط ولا تستخدم بحق تركيا والسعودية وبقية الدول الإسلامية؟!
} لو كان في بلادنا برلمان حقيقي غير النواب الذين يهتفون للوزراء، حتى ثقل الحمل على المبنى الرصاصي القابع قرب النيل، لما قال السيد وزير الدولة بالمالية إن التجنيب لا يمثل فساداً.. إذا كان وزير المالية يدافع قسرياً عن عدم ولاية وزارته على المال العام، ولا يعتبر ذلك فساداً، فالأحرى بالنواب الانصراف للزراعة في الشتاء والصيف.
} إذا كان وزير الدولة بالمالية يقول ما قال وفي قبة البرلمان، ولم يجد من يتصدى له، فإن إسناد إنشاء مستشفى الأبيض الجديد لوزير اتحادي تحت يديه إيرادات مالية كبيرة ليس مستغرباً، إذا كان وزير الصحة لم يحتج لكبرياء وزارته ورضي بالمقسوم له في السلطة، ووافق مكرهاً على أن يشرف وزير الكهرباء والسدود على المستشفى، ولا تحدثه نفسه بالدفاع عن شرف الطب والأطباء لأنه ليس منهم، فلا عجب أن لا يدافع وزير المالية عن ولاية وزارته على المال العام!