سودانيتي تكفيني..!!
رحمي المركوز في أعماق دواخلي وقناعاتي أن السودان الشعب والأمة لا يزال بخير، مربوطاً ومرتبطاً بالقول الشريف (الخير في أمتي إلى يوم القيامة)، لا يزال مجتمعنا طيباً بشوشاً، يتكافل البسطاء فيه ويتعاون الطيبون فيه على البر والتقوى، وصحيح أن النزعة المادية قد تصاعدت وبرزت سلبيات من الأنانية وحب الذات وطفت بعض المزعجات، لكن يبقى الغالب فيه رجحان الخير، لا نزال ونحن أهل الأحياء القديمة نتواصل في المنشط والمكره الأم أم الجميع والوالد والدهم، إن مات لك عزيز هبّ الجميع إليك، وإن تكالبت نحوك الدنيا صدها عنك أولئك السمر، معسرون وطبعهم جميل كما أردد دوماً حتى صار القول عندي أيقونة عز وفخار.
لقد رأيت طبيبات نضيرات مليحات بهيات يدخلن أيديهن في جيوبهن ويخرجن قيمة الدواء لصالح طفل بأحد مستشفيات الأطفال بعد أن أحضره والده في حين طارئة لم تمكنه من حمل النقود معه، وفي ذروة ليالي البرد القارس الماضية كان بعض الكرام يوزعون الطعام والأغطية على المساكين، ولا نزال نحن بذات الطلاقة والهمّة في عمل الخير والمكرمات، بعض نراه وآخر يتخير له أصحابه ساعات الظلام وغياب الناظرين، وحتى شبابنا وعلى كثرة التهييج ضدهم لا يزالون بعضاً من وصل المروءة والبر.
قبل أيام توقف شاب بسيارته على جانب الطريق.. نزل منها ووقف لدقائق متكئاً عليها قبل سقوطه إلى جوارها.. كان المنظر قد لفت أنظار المارة خلف الساحة الخضراء من الناحية الغربية؛ في لحظات توقفت أكثر من عربة وهبط الشباب والحاضرين على الجسد الذي تمدد في إغماءة خفيفة أفاق منها على الأصوات المشفقة و(يا لطيف) في ثوان كان رتل من السيارات يتجه بالشاب نحو أقرب مشفى، فيما تطوع أحدهم بقيادة سيارته وآخر يتفقد جواله متفقداً سجل المكالمات لمعرفة من يعرفه.. في المشفى الخاص- رغم إصرار الشاب أنه بخير- تجمع الشباب والأيادي تنبش الجيوب و(تعافر) الصرافات الآلية لتوفير متطلبات (الدفع) لتسلّم الحالة الطارئة، والمريض قد شفي مما رأى وهو يصيح (يا جماعة والله مافي داعي) ولا أحد يأبه له.. إنهم سودانيون ولا أزيد، من شعب نفيس المعدن كما أشرت بذلك يوم أن سردت الواقعة لحظة حدوثها في المدونات.
لهذا لن أوقع في حملة تستهدف صحفية بصحيفة خرطومية أثارت لغطاً بما سمي إهانة لعموم الشعب السوداني، فذاك رأيها ورؤيتها، لكني سأوقع يومياً بالثناء والعمل على كثير كريم عند هذا الشعب لأننا كأفراد زائلون، وسيبقى السودان وأهله برهم وفاجرهم أمة بكاريزما خاصة وخليطاً من الإلفة والود، ثم المروءة التي قد تضعف لكنها لا تفوت؛ ليكن ما وقع دافعاً لنا لمزيد من النصاعة؛ والله إني من هذه الدنيا لو خرجت فقط بانتمائي لهذا الشعب لكفاني، فمن رهط رحيم سأقصد مليكاً ارحم؛ تاني في شنو؟!