رسالة لـ"علي" في بيته
لست سياسياً أعيش على الكلام والاستثمار في أزمات الناس.. ولست صحفياً لي نصيب من البلاغة والتعبير!! ولكني من هذا الوطن المفجوع والمحزون، جئت من أقاصي الشمال لصرة البلاد وعاصمتها الخرطوم، لست موظفاً أرتجي من الحكومة ترقية أو منحة، ولا سمساراً أنتظر فرصة للثراء والعطايا والهبات.. أنا (الباسا) تلك الينابيع التي تفيض أدباً وثقافة ومروءة وشهامة، حيث تمثل ديار الشايقية وهي إلهام للشعراء والأدباء.. أكتب اليوم عن رجل من حقه علينا أن نحتفي به ونقول عنه كلمة للتاريخ.. وقد أصبح الآن مواطناً يمشي في الأسواق.. ولا يملك سلطة يمشي بها.. ولا صولجان يتبختر في الشوارع.
أكتب وفاءً لرجل اسمه “علي عثمان محمد طه”.. دخل ساحة العمل العام وزاده التقوى وعفة اللسان وبياض السيرة، وخرج نقياً طاهر الأيدي نظيف الثياب، أكتب عن “علي عثمان” الذي أعرفه مثل كل الشعب السوداني ولا يعرفني، ولكنه رجل وطني قدم ولم يبالِ.. ويكفيه فخراً وتيهاً، ونسأل الله أن يكتب له ذلك في ميزان حسناته، أنه من (أوقف) ماكينة الموت التي حصدت أرواح أهل السودان، إنها حرب الجنوب منذ 1955م وحتى 2005م، تقاصرت همم رجال عن (إخراس) صوت السلاح حتى تحقق ذلك بفضلك يا ابن السودان البار.
} ما كان علي عثمان إلا قيادياً ملهماً.. يصبر على أذى الأقربين والأبعدين، يحمل الوطن في حدقات العيون، لا تهزه الأزمات والمحن، ولا تقعده عن واجباته الوطنية همة.. عرفته في سنوات خلت مثل سائر السياسيين في بلادي، ولكن التمست في حديثه الصدق مع النفس والآخرين.. ودون كثير من قادة بلادي يعف “علي عثمان” عن جرح الآخر بلسانه والتباهي بسلطته.. كان متواضعاً مثل الصوفية، حكيماً وعالماً بدون ألقاب وأوصاف.. على يديه في سنوات السلطة في فترة الإنقاذ كم أنصف مظلوماً، ورد حقوقاً، وأطلق قيد سجين، وانتفع بقراراته الشجاعة كثير من أهل السودان .. لا أملك إحصائية لمشروعات وجه الرجل بتنفيذها.. وتولى متابعة مراحل التنفيذ بدءاً من مياه بورتسودان التي تقاصرت همم حكومات عديدة عن تنفيذها.. وإنجاز السلام تستحق عليه جائزة (نوبل) العالمية، ولكن للجائزة تقاليد ومحدودات لن تذهب لأمثال “علي عثمان” ولو بسط السلام في كل أركان الدنيا.
بعض مَن في قلوبهم غل وشح في النفوس وبغضاء لأهل الخير يتطاولون على مقامات أمثال “علي عثمان محمد طه”، ويتحدثون بأصوات مشروخة بأن اتفاقية السلام ما كانت إلا تفريطاً من المفاوضين، ولكن هؤلاء يجهلون أن حفظ الأرواح والدماء مقدم على جلب مصالح الدنيا الفانية.
واجبنا اليوم نحن أهل السودان من غير المرتبطين بالإنقاذ تنظيمياً وسياسياً، أن نقول كلمتنا في حق رجال أعطوا هذا الوطن ثياب العافية، ونباهي ونفتخر نحن أبناء السودان بعلي عثمان كرمز لنا، ونسعى لتكريمه بما يليق به بعيداً عن تكريم السلطة والدولة.. نقول ذلك بعد خروج “علي عثمان” من السلطة طوعاً واختياراً راضياً بما قدمه لوطنه وشعبه وسيسطر التاريخ أمجاد هؤلاء الرجال..
أخوك في الوطن والدين
عبد الرؤوف مامون محمد أحمد
الولاية الشمالية قرية الباسا.
< رسائل عديدة تستحق الاحتفاء والنشر، ولكن الصدق وجزالة التعبير ونبل المقاصد للأخ عبد الرؤوف دفعني لإفساح الزاوية اليوم له.. وقد عبر عن نبض العامة من أهل السودان بحق قيادي في ثقل وعطاء “علي عثمان محمد طه” ترجل ويذكره الناس بالخير والإحسان والفضل.
يوسف