«كمال عبد اللطيف».. كيف قابل الصعقة الكهربائية ؟
المشهد الدراماتيكي الذي يجسد إيقاعات التغييرات المذهلة التي طالت الكبار والوجوه القديمة في المؤتمر الوطني خلال الأيام الفائتة، كان حدثاً أسطورياً وملحمياً ترك وراءه زخماً مهولاً على المسرح السوداني.
لم يصدق أحد أن يذهب “علي عثمان” والدكتور “نافع” والدكتور “الجاز” والدكتور “المتعافي” كما يذهب القمر في رقائق السحاب، وبذات القدر خرج “أسامة عبد الله” و”كمال عبد اللطيف” والدكتور “أمين حسن عمر”، وهؤلاء جميعاً كانوا يشكلون ركائز الإنقاذ والمرجعية القابضة على القرار السياسي في السلطة!!
ماذا جرى للمؤتمر الوطني في خضم تلك المعطيات الواضحة التي تتزاحم في ثناياها الأفكار والتأويلات، حيث يرى البعض أن حزب السلطة يفكر في إنزال إستراتيجية كبيرة تطبق في جميع مجالات الحكم في المستقبل، وربما يحاول المؤتمر الوطني عبور العتبة القديمة إلى فضاءات جديدة، على أوتار التكلفة الباهظة والتحوطات العميقة، وتبديل المسارات في العناصر والرؤى!
في الصورة المقطعية، كان إعفاء “كمال عبد اللطيف” من وزارة المعادن خطوة مليئة بالأحكام التسويقية والقراءة المتوغلة التي ارتكزت على مضامين متشابكة من الخيال الخصب، الذي يعبر عن الدهشة والقلق والاستغراب والإرباك، فالشاهد أن إجراءات خروج “كمال عبد اللطيف” انقلبت إلى صورة حية على خشبة المسرح بكل ما تحمل من إيماءات ونزعات وإيحاءات ورسائل على المشاهدين.
ها هو الوزير “كمال” يرسل الدموع المالحة في احتفائية مهيبة جرت على باحة وزارته القديمة في إطار وداعه والوقوف على الأطلال والذكريات، والبكاء دائماً هو مسكن طبيعي للألم والحسرة، فالموقف المشدود كان يعكس على الشاشة البلورية أن قرار الإعفاء كان بمثابة الصعقة الكهربائية التي سرت في أوصال الوزير “كمال عبد اللطيف”.. كيف لا؟ والرجل من لحم ودم يتوكأ على إحساس وشعور مرهف، طافت في خياله حلاوة السلطة وخدمة التكليف وضوضاء المنصب ولمعان الإتيكيت والقرار.
وفي زاوية أخرى، ها هو الدكتور “المتعافي” يقول بالصوت العالي في شجاعة متناهية إنه لا يوجد مسؤول يسعد بمغادرة الكرسي (جريدة الرأي العام بتاريخ 11/12/2013م)، والإمام “علي بن أبي طالب” ذكر أنه يكره نزع الإمارة مثل كراهيته لتولي مقاليدها!
من هنا يتأطر السؤال المركزي.. كيف قابل الوزير “كمال” الصعقة الكهربائية التي لاحت من خلال تعامله مع قرار خروجه من منصبه؟!
من نافلة القول، التذكير بتفاعل الجسم مع القرارات الخطيرة من الناحية البيولوجية، فالصعقة الكهربائية استنفار مباغت لا يمكن التحكم فيه، يسري في الجسم ابتداءً من اللسان، مروراً بالقلب حتى القدمين! ومن الواضح أن الوزير “كمال” في سياق الإجابة كان صادقاً مع دواخله إزاء مؤثرات القرار، حيث قابل هذه الصعقة بمواقف متباينة ما بين المراجعة الكثيفة، ومحاولة التحمل والنظر إلى النافذة من كرسي الظل، والتعبير المثير على الفضاءات.
كان “كمال عبد اللطيف” يمشي على النجاحات والآلة الإعلامية الضخمة ومصادقة الصحفيين واكتشافات الذهب، لم يتوقع أن يخرج من الصولجان، فقد كان إحساسه أن المكتب القيادي للمؤتمر الوطني لن يفكر في إقصائه حتى في ظل الإرهاصات القوية عن صخب ومفاجآت التغيير في الكراسي.
ربما كانت مبررات الإعفاء تكمن في بقاء الرجل مدة طويلة على المواقع، فضلاً عن كشف الحساب في وزارة المعادن أو ربما أشياء أخرى!!
مهما يكن، فإن “كمال عبد اللطيف” لم يسقط كجلمود صخر حطه السيل من علٍ، بل ذهب من خلال احتفائية رائعة!!