رأي

ماذا حدث الآن..؟!

لا أعرف ما إذا كنا نحسد الدول التي بها تنظيمات متطرفة ونود أن تكون لدينا تنظيمات مماثلة، أم في الحقيقة نسعى إلى أن تكون لدينا مثل هذه التنظيمات أسوة بالبلاد الأخرى. هذا ما فهمته مما حدث عندما حكمت السلطات بإيقاف الذكر بمسيد لأسباب أمنية كما قيل. ولم أفهم ما هي هذه الأسباب الأمنية، فكلنا نشأنا في أحياء يقام فيها الذكر في الأمسيات أو في أيام بعينها. وكان هذا الأمر يتم تلقائياً دون مشاكل أو رد فعل.
ظلت بلادنا في منأى عن كل الدعوات المتطرفة حتى لو كان هناك تعصب للرأي، فمهما كان الرأي مخالفاً لرأي الجماعة إلا أنه لم يؤد إلى صدامات ودماء في أي عهد من العهود، بل كان أي خلاف يحل بأسلوب، ويصر الذي يقدس المشايخ على أنه لن يتراجع عن رأيه ولا يرى غير ابتسامات ساخرة ثم ينتهي كل شيء في نفس المجلس ويخرج الجميع أخوة دون ضغائن، فيستمر كل فريق على اعتقاده دون أن يحاول الآخر منعه من اعتقاده، بل يكتفي فقط بعبارات الرفض التي في الغالب تقال بأسلوب ودي.
نشأت في حي (القوز)، وكان هناك مسجد يقام فيه الذكر كل يوم تقريباً، وعلى بعد خطوات منه كانت هناك حلقات لجماعات أنصارية تواصل إنشادها في تمجيد “المهدي” وكراماته دون أن يفكر أحد الفريقين في منع الآخر.
وبحكم أن والدي كان ختمياً كنت أحرص على حضور (الليلة) وكلها حول كتاب الميرغني.. وعلى بعد شوارع قليلة ذكر لجماعة أخرى لا تؤمن بالختمية، وكان كل فريق يحرص ألا يحجب صوت الآخر، ولم نسمع عن اعتداء على أية جماعة.. حتى عندما ظهرت عندنا جماعات متأثرة ببعض الدول الخليجية بأفكار ترفض ما اعتدناه في السودان، لم يحدث أي اشتباك بين الفريقين رغم حدة الخلاف، بل كان كل فريق يعرض رأيه بحرية.
منذ فترة ليس بعيدة ظهرت ممارسات متأثرة ببعض الدولة الخليجية ترفض تلك الممارسات، وكان بالإمكان استمرار الرفض وأيضاً استمرار الممارسة كما كان الحال في السابق، ولكني لاحظت أن هناك جماعة تميل إلى العنف لأول مرة وهو سلوك مرفوض لدينا في السودان، ورغم تعدد الجماعات الإسلامية واختلافها في المفاهيم، إلا أننا لم نكن نتوقع تطور الأمور إلى حد الاعتداء على أحد المساجد.. ودائماً الاعتداء يقع عندما تعتقد جماعة أن رأيها هو الصواب وحده وهو أمر غريب علينا في السودان، وكله من تأثير الأفكار القادمة من خارج الحدود، لأننا في السودان اعتدنا تعدد الجماعات الدينية واعتدنا تعايشها معاً.
المفترض أن يستمر الوضع على هذا الحال كما اعتدنا لعشرات ومئات السنين، أي بقاء كل الجماعات دون أن تحصل إحداها على حماية من الدولة أو من أية سلطة، حتى لا تشعر تلك الجماعة أنها المفضلة، فتقدم على تصرفات غير مسؤولة في محاولتها تأكيد أنها تتمتع بامتياز.
قبل فترة قرأت عن اعتداء على جماعة صوفية، ولم أفهم كيف وصلت الأمور إلى هذه الدرجة، فهذه الجماعة قضت بيننا عشرات السنين ولم نسمع عن مجرد محاولة اعتداء، وعرفنا أن السبب تغير لغة الحوار، فقد أصبحت إحدى الجماعات الوافدة تستفز باقي الجماعات بالسخرية منها، مما دفع أتباع تلك الجماعة إلى محاولة الرد بالعنف، لأن الاستفزاز كان أكبر من أن يحتمل.. والرأي في هذه الحالة يكون لدى المشايخ وليس عند الأجهزة الأمنية، فعلى المشايخ توضيح أن تعدد الجماعات لا يعني أن إحداها خارجة على الإسلام.. والمطلوب من السلطات المختصة معاملة الجميع معاملة متساوية دون أن تحس إحداها أنها تتمتع بامتياز وأنها المفضلة عند السلطة، أو أنها تتمتع بحماية أجهزة السلطة، وهذا هو الوضع الذي اعتدناه طوال عشرات السنين وينبغي استمراره لأنه الضامن الوحيد لعدم ظهور جماعات متطرفة، لأن الإحساس بالظلم هو الذي يولد العنف.
{ سؤال غير خبيث
في السودان مئات من الجماعات الصوفية لم تقع بينها مشاكل طوال مئات السنين.. فماذا حدث الآن؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية