هل ما يحدث في الجنوب (تمرد) أم انهيار دستوري؟
الأستاذ – “الهندي عز الدين”
تحية طيبة
} لا أدري أين كان الأستاذ “الهندي عز الدين” خلال الفترة من 1953م وحتى 1955م؟ هل يا ترى كان وقتها في عالم (الغيب المحض) أم يا ترى كان (طفلاً يحبو)؟ وإن كنت أحسب أنه كان للحالة الأولى أقرب.
} على كل حال لقد كان العبد لله وقتها بمدرسة منصوركتي (الأولية) المتطورة من مدرسة منصوركتي (الصغرى) وكنا نعي ما حولنا تماماً والحمد لله.
} قصدت من هذه المقدمة أن أؤكد بأننا قد (عايشنا) تلك الفترة من تاريخ سوداننا الحديث والتي عرفت بالحكم الذاتي وما أدراك ما الحكم الذاتي.
} والحكم الذاتي في جوهره ما هو إلا عبارة عن (امتحان واختبار) للسودانيين، للتأكد عما إذا كانوا (مؤهلين) و(قادرين) على (حكم) أنفسهم وتسيير أمور دولتهم أم لا؟
} وكان تقرير مصير السودان وحصوله على الاستقلال مرهوناً وموقوفاً على اجتيازه هذه المرحلة الحرجة من تاريخه، إما (النجاح في اجتياز) هذه المرحلة وإما (فشل وانهيار) يعقبه (انهيار دستور) يؤدي إلى عدم خروج المستعمر، وبالتالي ظل المستعمر (محتفظاً) بوجوده طيلة هذه السنوات الثلاث، لم يغادر الحاكم العام قصره وظل الجيش البريطاني في معسكراته إلى وقت (الجلاء)، ولحين اجتياز السودان لفترة الحكم الذاتي وعدم حدوث انهيار دستوري، على الرغم من أن المستعمر حاول ذلك من خلال ثلاث محاولات (عنبر جودة – وتمرد توريت وقبلهما حوادث مارس الشهيرة) والتي باءت جميعها بالفشل وعدم حدوث انهيار دستوري.
} نعم لقد اشترطت الاتفاقية هذا الأمر في وقت كان فيه السودانيون – إداريون وساسة- مؤهلين تماماً لإدارة دفة الحكم (وسودنة الوظائف) خاصة على المستوى الإداري، حيث كان (الرجل الثاني) في كل مرفق من (السودانيين) وهو بالتالي (مؤهل) ليكون (الرجل الأول)، وهذا ما حدث عند (سودنة الوظائف) البالغة حوالي (800) وظيفة.
} تساءلت كثيراً – في براءة أقرب للسذاجة- لماذا لم (تشترط) اتفاقية نيفاشا على الحركة الشعبية مثل هذا الشرط؟ بحيث نرهن اعترافنا بدولتهم (باجتيازها) لفترة تسمى (الحكم الذاتي)، تتيح لنا (حق التدخل) في حالة حدوث أي اضطرابات أو (إبادة) جماعية (للأقليات القبلية)، أو انهيار دستوري وهي مسؤولية أخلاقية (يفرضها) علينا ما يحدث بدولة الجنوب اليوم، من احتراب وقتل للأبرياء وسلب ونهب، (يدلل) على أن الحركة الشعبية غير (مؤهلة) للحكم (وأنى) لها ذلك وهي (قريبة عهد) بالغابة، بعيدة عهد بالحكم وإدارة الدولة، أم أننا يا ترى لا نستفيد من تجاربنا الإنسانية عبر التاريخ؟
أخوك دكتور
موسى عبد الرحيم محمد – المحامي- الخرطوم
من الكاتب:
} شكراً (مولانا) الجليل دكتور “موسى”.. أما إجابتي عن سؤالك (أين كنت خلال الفترة من 1953 – 1955م)، فهي ما ورد في النصف الأول من إجابتك عن سؤالك : ( في عالم الغيب المحض)، إذ قدمنا إلى الحياة الدنيا بعد نحو (15) عاماً من فترة (الحكم الذاتي).
} وأما بشأن إغفال حكومتنا فرض فترة ثانية للحكم الذاتي على الجنوبيين، ففيها على ما أرى (وصاية) عليهم وربما تكون سمة من سمات (الاستعمار)، فلم نكن مستعمرين للجنوب كما كان حال (الانجليز)، أو كما روج لذلك (العنصريون) من (الجنوبيين)، بل كنا إخوة لهم في وطن واحد، فيهم من يفوق الكثير منا علماً، وفيهم الكثيرون ممن لا دربة لهم ولا خبرة.
} غير أنني أرى أن حكومة السودان تساهلت في إجراءات (الاستفتاء) وقبله في (اتفاقية نيفاشا)، ونصوصها التي منحت الجنوب لقادة (الحركة الشعبية) لقمة سائغة بعد إقرار خروج القوات المسلحة (القومية) من الجنوب قبل إجراء الاستفتاء!! وهو ما جعل (الجيش الشعبي) المتحكم (الأوحد) في صناديق الاستفتاء، وفي (توجيه) وترويع المواطنين باتجاه التصويت للانفصال بنسبة تزيد عن (98%)!! ولو كان هناك توازن قوى (سياسية) و(أمنية) في الجنوب خلال (الفترة الانتقالية) لاختلفت النتيجة كثيراً، ولكن قدر الله وما شاء فعل، وهي أخطاء جسام لعل قادتنا يتعلمون منها.
} تحياتي.. للقضاء الجالس والواقف.
} وجمعة مباركة.