موازنة 2014 ..معالجات تاريخية تستهدف القطاع النقدي
بشريات وتطمينات اقتصادية مهمة حملها أمس مشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2014، الذي أودعه وزير المالية والاقتصاد الوطني “بدر الدين محمود” أمام البرلمان، والتي جاءت مكملة للبرنامج الثلاثي الذي ينتهي العام المقبل، كما جاءت خالية لأول مرة من أي زيادات في الضرائب أو غيرها من الإصلاحات التقشفية القاسية التي عهدها المواطن مؤخراً. ورحب خبراء ومختصون بمشروع الموازنة الجديد واعتبره عدد منهم أن من شأنه تلبية طموحات الشعب في المرحلة المقلبة، وأبرز ما تميزت به الموازنة عن سابقاتها أنها تضمنت زيادات كلية في الإيرادات بلغت (46) مليار جنيه مقارنة مع العام الماضي، إذ لم تتجاوز (28) ملياراً أيضاً زيادة الإنفاق العام التي كانت في حدود (20) ملياراً فيما تجاوزت في الموازنة الجديدة أكثر من (30) مليار جنيه.
ويبدو أن المشروع جاء في شكله العام مركزاً على الاستقرار الاقتصادي للدولة في ظل التحديات العديدة التي تواجه الاقتصاد السوداني، حيث رسم سياسات نقدية واضحة تهدف إلى التوسع وفق الحاجة والطاقة الاستيعابية للاقتصاد، والحد من الآثار التضخمية بإحكام السياسات النقدية.
وأجرت (المجهر) استطلاعاً بالبرلمان مع اقتصاديين حول الموازنة واتساقها مع الواقع وأبرز تحدياتها، حيث قال الخبير الاقتصادي د. “بابكر محمد توم” إن الموازنة اشتملت على عدم زيادة الإنفاق القومي، والاتجاه إلى زيادة الإيرادات الكلية في الضرائب والجمارك دون أي زيادة في السعر، وأيضا توفر الموارد الكافية في الصرف الأول ومرتبات العاملين بما في ذلك متأخرات الـ(9) أشهر من العام الجاري.
وأكد “بابكر محمود توم” أنها ركزت على مشاريع التنمية من خلال زيادة الإنتاج في القطاع الصناعي والزراعي بشقيه، وركزت في مضمونها على إحكام الموارد المالية بترشيد كبير، خاصة ونحن نعلم أن وزير المالية ومحافظ البنك المركزي كلهم من القطاع المصرفي، وبالتالي نلاحظ أن الميزانية بها تركيز كبير على السياسات النقدية التي يصدرها البنك المركزي ومحاولته لمكافحة التضخم.
تركيز الميزانية على القطاع النقدي بدا واضحاً هذه المرة، وربما يرتبط بخلفية الوزير المصرفية وعلق “محمد توم” قائلاً (لأول مرة في السنوات العشر الأخيرة، يتم التركيز على معالجات القطاع النقدي في الميزانية).
وعقب تقديم الوزير لمشروع الموازنة وانتهاء الجلسة المخصصة لذلك، شهدت أروقة البرلمان أمس نقاشاً مستفيضاً بين النواب ومسؤولي الجهاز التنفيذي، ويقول النائب ورجل الأعمال المعروف “علي أبرسي”، إن الموازنة تعتبر ملبية لطموحات المواطن ويمكن أن تسهم في كبح الغلاء في الأسعار.
ورغم شح موارد النقد الأجنبي إلا أن الموازنة لم تحوِ نسبة كبيرة من القروض الأجنبية، ويشير الخبير الاقتصادي “بابكر محمد توم” إلى أن المهم فيها ضمان التصرف في السيولة حسب الحاجة الفعلية للاقتصاد.
وفى استعراضه لتقدير المؤشرات الكلية للاقتصاد في 2014 ذكر وزير المالية أمس أنها تهدف إلى المحافظة على معدل نمو الناتج الإجمالي المحلي في حدود (2,6%)، والعمل على زيادة الإنتاج في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بنسبة نمو (3,8%)، على أن يسهم بحوالي (31% ) في الناتج الإجمالي ويقدر النمو في القطاع الصناعي بنسبة (6%) ومساهمته بنسبة(23%).
وتوقع وزير المالية “بدر الدين محمود” انخفاض ايرادات القطاع الخدمي من (2,2%) في العام الماضي إلى (2%) في 2014. وعزا ذلك لضعف الاستثمارات في القطاع الخاص خاصة فى السياحة والفندقة والخدمات التعليمية والصحية، ويتوقع أن يساهم بنسبة (46%) في النتاج المحلي الإجمالي.
وزير المالية لدى تقديمه أمس مشروع الميزانية أعلن أنها ستنفذ بسعر الصرف المرن المدار،مع تنسيق السياسات المالية والنقدية لتوحيد سعر الصرف والمحافظة على استقراره، بجانب استمرار نمو الكتلة النقدية بمعدل (16,6%) وذلك حسب الطاقة الاستيعابية للاقتصاد، كما استهدفت الموازنة متوسط معدل التضخم بحوالي (20,9%) بنهاية العام.
خبراء ونواب بالبرلمان شددوا أمس على ضرورة إيجاد توازن في السياسات والاهتمام بالإنتاج، مشيرين إلى أن التضخم لا يعالج بالبنوك فقط، وإنما بالإنتاج وسياسة متوازنة في إصدار النقود بما يساعد في تحريك الاقتصاد.
نستورد كثيراً نصدر قليلاً… هذا ما قاله الخبير الاقتصادي “بابكر محمد توم” الذي شدد في ذات الوقت على تقليل الاستيراد والاهتمام بالقطاعات الحقيقية، أولها الزراعي والصناعي، وأضاف :(إذا لم يوجد إنتاج فالسياسة النقدية لا تأتي بنتيجة).
ونصت الموازنة في تقديراتها الكمية على تقدير إيرادات عامة بحوالي (46,2) مليار جنيه، بمعدل زيادة قدرها (42%) من الأداء الفعلي للعام 2013 كما تم تقدير الإنفاق فيها بحوالي (58,2) مليار جنيه، منها حوالي (45,8) مليار جنيه مصروفات جارية، ومبلغ (12,4) مليار جنيه عبارة عن التزامات قائمة من أدوات الدين العام الواجبة السداد.