عصابات في الشرق
{ تكررت حوادث الاعتداء على البصات السفرية على طريق الخرطوم بورتسودان، وهذا معناه أن الإجراءات العادية لم تعد مجدية مع مثل هذا النوع من الاعتداءات، ولا بد من اتخاذ إجراءات أخرى أكثر قوة وحسماً.. والمعروف أن بعض القبائل الرعوية ترى أن الاعتداء على المسافرين أمر عادي، بل هو ممارسة طبيعية يتغنون بشجاعة من ينفذها، ولسنا أول دولة تواجه هذه الظاهرة، فقد تعرضت أمريكا نفسها لمثل هذه الحوادث، وكانت القطارات تهاجم من جانب رجال العصابات، ولم تستطع وضع حد لها إلا بأن تجعل في كل قطار فرقة من الجيش مدججة بالسلاح. وعندما لاحظت العصابات خسائرها الكبيرة في كل حادث، وبعد أن أبادت قوات الجيش المئات من رجال العصابات اضطرت لإيقاف الاعتداءات.
وأذكر في عهد الرئيس “نميري” أن المنطقة بين القضارف وكسلا شهدت عدة حوادث اعتداء ونهب للمسافرين، ولم تتوقف إلا بعد أن قام الجيش بحملة تنظيف للمنطقة التي كانت تنتشر فيها الغابات، وأذكر أن الصحف العربية اهتمت ونقلت تفاصيل إحدى المعارك، وكيف أن الجيش وضع خطة لمحاصرة رجال العصابات ودفعهم إلى منطقة محددة ثم مهاجمتهم بقوات كبيرة مسلحة بكل أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وارتاح الناس من هذه العصابات لعشرين عاماً، ولا شك أن بعض رجال الشرطة من الذين شاركوا في تلك الحرب لا زالوا بالخدمة أو هم على الأقل على استعداد لتوجيه النصح لمن يطلبه استناداً إلى خبرتهم السابقة .
{ واجهت المملكة العربية السعودية هجمات متكررة من جانب عصابات الرعاة في أواخر عهد الحكم العثماني للسعودية، وكان أول إجراء قام به الملك “سعود بن عبد العزيز” بعد توليه المُُلك قيامه بحملات منظمة ضد العصابات التي استسهلت حياة السلب والنهب وغياب القانون. ويقال إن الملك “سعود” كان يقوم بإعدام العشرات منهم في السوق مع مواصلة مطاردتهم في كل مكان. وكان الفقر منتشراً آنذاك في المملكة، ولكن التعامل الحاسم أوقف هذا العبث فنعمت المملكة بسلام طويل، وهذا التعامل الحاسم كان من أسباب شعبية الملك “سعود”، وتوقفت هذه الهجمات نهائياً رغم انتشار الفقر والمجاعة، مما يؤكد أن التعامل الصارم يوقف هذه الظاهرة.
{ نحن الآن نواجه هذه الظاهرة مرة أخرى، وليس هذا وقت الجدال عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، فلتمضِ دراسة الحالة مع العمليات العسكرية، ولنفعل كما فعل “نميري” وهو يواجه حالة مماثلة. والمطلوب أولاً حصار المنطقة التي يأوي إليها رجال العصابات وحصرها، وأن يكون ذلك في منتهى السرية، أن يأتي التعامل الحاسم وبإعداد كبيرة من رجال الجيش كخير ختام للعملية.
{ واجهت إريتريا في أوائل الستينيات نفس الظاهرة، وكان المسافرون بين “تسني” و”أسمرا” يلاحظون أن السلطات كانت تضع اثنين من رجال الشرطة المسلحين بالرشاشات في أي بص مسافر. إضافة إلى الإجراءات الأخرى على الطريق من دوريات مسلحة.
{ وأظن الآن أن رجال الشرطة مجتمعون لمناقشة الظاهرة وكيفية علاجها، وأدعوهم للاستعانة برجل خدم في تلك المناطق، وهو “أحمد المرتضى البكري أبو حراز” منذ أن كان برتبة ملازم، وهو صاحب خبرة في التعامل مع السكان هناك وبطبيعة المنطقة، فأرجوا الاستعانة به رغم أنه خارج الخدمة حالياً.
وبعيداً عن الإجراءات الأمنية نجد أن الفقر هو العامل المشترك.. وعلى الوزارات المختصة معالجة الأسباب الحقيقية للظاهرة فالمعالجة الأمنية وحدها لا تكفي.
{ قال.. ونقول
قالوا إن العصابات انتشرت في طريق الشرق.. ونقول السيف أصدق أنباء من الكتب.