رأي

لماذا الانسحاب؟

جاء في الأخبار غير المؤكدة أن الأحزاب قررت مقاطعة الانتخابات القادمة، على أساس أن الحزب الحاكم يهيمن على كل شيء، ولن يسمح للأحزاب الأخرى بنيل الحد الأدنى من الأصوات، وبالتالي لا ترى جدوى في خوضها، لأن النتيجة أصبحت محسومة.
لا أعرف كيف عرفت الأحزاب كل ذلك، وكيف اقتنعت أن لا فائدة وبالتالي الانسحاب أكرم وأفضل.. ويقال إن الحزب الاتحادي وحده ينازل المؤتمر الوطني، وهو يثق أنه سيحصل على عدد لا بأس به من المقاعد في البرلمان.
أولاً أنا لا أعرف لماذا الربط بين عدد المقاعد البرلمانية وبين أهمية الحزب، إذ يمكن للحزب أن يكون له تأثير ولو كان عدد نوابه اثنين أو ثلاثة، وقد رأينا أن “الترابي” في برلمان عام 1966 كان له أربعة مقاعد فقط في البرلمان، وقد استطاع بهذه المقاعد الأربعة أن يفرض على حكومة “المحجوب” ومن بعده “الصادق المهدي”، التراجع عن كثير من القرارات، وكانت له صحيفته التي تسانده بقوة، وتثير ضجة كبيرة حول أي قضية، وتدعو الناس للتظاهر في أي قضية، وكانت ذات وجود قوي، بشهادة كل المراقبين آنذاك .
روى الصحافي الكبير “مصطفى أمين” قصة المعارض الذي زلزل الأرض تحت أقدام الحكومة أيام الملكية، وهو لا يملك إلا معقده بإثارته للضجة حول القضايا، وبتحريضه للشارع عبر الصحف حتى خافت منه الحكومة وسعت لاسترضائه. إذن عددية النواب ليست الأمر الحاسم، إذ يمكن لنائبين زلزلة الأرض تحت أقدام الحكومة وإحراجها باستمرار.
كما أني لم أفهم لماذا لا تقاوم أحزاب المعارضة ولماذا تستسلم في أول المواجهة؟ لماذا لا تستغل المساحة الممنوحة لها مهما كان حجمها، وتستفيد من الصحافة كسلطة رابعة حتى في حال لم يكن لها صحيفة ناطقة باسمها؟ ولماذا لا تلجأ إلى الشارع بتحريكه ضد أي قانون معيب؟ ولماذا لا تلجأ إلى لغة الأرقام لتظهر لنا حقيقة الدعم المزعوم، وتظهر أرقام مرتبات الدستوريين والوزراء ومن هم حولهم.
إن لغة الأرقام هي الأكثر إقناعاً، والعزف عليها يحرك الشارع بمختلف ألوانه السياسية، ولا أعرف حتى الآن لماذا أحزاب المعارضة يائسة كل هذا اليأس قبل أن تبدأ المعركة.. هل أجرت استطلاعات للرأي وعرفت حجمها؟ إن حزباً مثل حزب الأمة القومي له قاعدة عريضة وله تاريخ، يمكن أن يكون له وجود مؤثر في داخل البرلمان، كما كان “الترابي” مؤثراً بستة نواب في الستينيات، و”الصادق المهدي” صاحب خبرة لديه تحريك الرأي العام بالاتجاه الذي يريد، فلماذا لا يجرب استخدام الأوراق التي بحوزته بدلاً من الانسحاب.
في انتخابات رئاسة الجمهورية الماضية كان “سلطان كيجاب” يصرح للصحف، أن الانتخابات تم تزويرها وأنه هو الفائز في تلك الانتخابات، وقد تناقلت الوكالات رأيه ومثل ضغطاً على الحكومة وحزبها الحاكم، وأشعر الناس أن هناك معارضة حقيقية مع أنه كان وحده تقريباً.
لو كنت مكان الأحزاب فإن أول خطوة أقوم بها عقد التحالفات مع القوى الأخرى، بعد الاتفاق على اقتسام المقاعد وتوعية القواعد بكل الألاعيب التي قد تقوم بها الحكومة.. هل لو وحدت كل الأحزاب جهودها على قلب رجل واحد، هل يستطيع المؤتمر الوطني هزيمتها مجتمعة؟.. المطلوب من الأحزاب الآن النزول إلى القواعد وتنشيطها، بإقامة الليالي السياسية واللجان التي تقود المعركة الانتخابية، وبإمكانها حصر عضويتها الحقيقية لمعرفة حجمها.. بعد ذلك تأتي خطوة تشكيل اللجان الانتخابية التي لابد أن يكون لها قواعد في كل حي وكل قرية، وبإمكان هذه اللجان حصر عضويتها وأيضا عضوية المؤتمر الوطني لمعرفة الأحجام الحقيقية، وبإمكانها الاستعانة بالمنظمات لتزويدها بآليات الحركة.. بعد هذا بإمكانها فضح أي عملية تزوير تقوم بها الحكومة، وإثارة ضجة حول أي انتهاك مهما صغر حجمه، بدلاً من الاكتفاء بالانسحاب من المعركة قبل بدئها.
أخيراً أقول لها إن عدد النواب ليس مهماً في عهد الصحف و(الفيس بوك) و(الانترنت)، وهناك المناشير التي توزع باليد، المهم ألا يكون هناك يأس وانسحاب فهذه سلبية.
سؤال غير خبيث
حزب الأمة القومي له دوائر مضمونة، فلماذا لا يحرك قواعده ويكون شوكة في حلق النظام، بدلاً من الانسحاب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية