«المهدي» وجائزة (قوس 2013)..!!
في حفل تسلّمه جائزة (قوس للسلام 2013) في العاصمة الفلبينية (مانيلا) أشاد السيد “الصادق المهدي”، أحد الفائزين بالجائزة العالمية، بتقصي القائمين على الجائزة لسيرته الذاتية كأساس للجائزة، وهي تعنى بالطريق إلى نظام عالمي عادل وديمقراطي. وذلك ما يتفق عليه البعض ويختلف في مثل هذه الأحوال، حيث لا ننسى جائزة (نوبل) العالمية التي منحت للرئيس الأمريكي الحالي “أوباما” وهو في مستهل حكمه.. ومن بعد باعنا (حبالاً بلا بقر) كما يقولون..! فقد فعل عكس ما يُشتهى وسبق له أن وعد به.
وللسيد “الصادق المهدي” في سيرته خطب وخطابات وأطروحات في غاية الروعة، غير أن مقابلة الأقوال بالأفعال في هذه السيرة قد لا تتفق أو تنسجم.. وهذا ليس موضوعنا اليوم، وقد تسلّم السيد الإمام جائزته وسط حضور أسري وحزبي وسوداني وإقليمي كبير.
وما أعنيه هنا هو المحاضرة القيّمة التي ألقاها في الحفل، وأعادت نشرها صحيفة (أخبار اليوم) السودانية، التي طرح فيها أربع نقاط هي:
– أهمية الديمقراطية للدولة القومية بعد الاستقلال.
– النزاع بين الأديان والحضارات والتفكر في وسائل الحل.
– أسس الأزمة في الحضارة الإسلامية وكيفية مصالحة الإسلام مع ذاته وبقية أعضاء المجتمع الدولي.
– النقطة الرابعة، وهي ما يهم الآن بتقديرنا هي (الأزمة في بلادي وكيفية حلها).. وقد ركزنا عليها أكثر من غيرها، لأنها قضية الساعة، وقد طرحها كما يراها وكما يرى حلولها أمام مجتمع دولي وفي مناسبة تنشد نظاماً عالمياً وديمقراطياً.. فالسودان- يقول “المهدي”- نموذج لبلد طبّق كل متطلبات الديمقراطية المعيارية دون توفر الشروط اللازمة، فقد جذب كل الأيديولوجيات المتنافسة في المنطقة (يسار، يمين)، والنظام الحالي (الإنقاذ) أقام نظاماً شمولياً طبّق أيديولوجية الأسلمة، وعبر ردود أفعال داخلية وخارجية:
– انفصل جنوب البلاد.
– ونشطت عدة تمردات.
– وجراء الاتفاق مع الحركة الشعبية بتنازلات عدّت مجموعات إسلامية ذلك (خيانة).
وعليه- يواصل “المهدي” أطروحته- يواجه النظام الآن معارضة من اليمين الإسلامي، وممن أعادوا تكوين أنفسهم في الحركة بعد اتفاق السلام الشامل- أي قطاع الشمال- كما شهدت دارفور حركات تمرد مسلحة كوّنت مع قطاع الشمال (جبهة ثورية علمانية) في 2012م هدفها إسقاط النظام بالقوة.
وهنا- أي عند ذكر (إسقاط النظام بالقوة)- يستدرك ويقول: (رغم أن النظام قد وصل إلى نهاياته– هكذا قال– فإن محاولة الإطاحة به بالقوة تعرض وحدة السودان لمزيد من المخاطر، لأن الحكومة (المكونة بالقوة)- هكذا قال– ستدافع عن نفسها بالقوة كما قال الزعيم الهندي الراحل “غاندي”– أبو الجهاد المدني- وهذه من عندنا).
وقد جعل ذلك “المهدي” وحزبه (الأمة القومي) على مفترق طرق مع أحزاب (الإجماع الوطني الديمقراطي)، فضلاً عن هيكله الإداري والقيادي الذي يرفضه “المهدي”. ومن ثم أشار في محاضرته تلك إلى أن حزبه– الأمة القومي– لديه برنامج يدعو للدولة المدنية التي تقرّ المساواة في المواطنة والحرية الدينية وحقوق الإنسان، وأجندة إسلامية تتسق مع المساواة في المواطنة. وهذه أهداف نبيلة تدعم منح “المهدي” جائزة (قوس) الفلبينية.. ولكن كيف يتحقق ذلك البرنامج؟!
إنه يتحقق عبر الضغط السلمي (التظاهرات الاعتصامية والإضرابات.. وغيرها)، وهو ما يرى المراقب أن “المهدي” لا يملك له وسائل أو معينات يعتمد عليها فيه، لا سيما الإضرابات.. ولكنه يلقي بها في ذلك المحفل إكمالاً للصورة.
ويذهب “المهدي” أكثر ليقول: المتوقع أن يقبل النظام بسيناريو الـ(كوديسا 92) في جنوب أفريقيا لحل النزاع سلمياً لا سيما– هكذا قال “المهدي” في محاضرته– وهو يدرك اتساع المعارضة له وللإخفاقات الاقتصادية والتحديات الأمنية.. وأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لحل معضلة المحكمة الجنائية الدولية.
وفي حال وصل هذا البرنامج (برنامج حزب الأمة) لقبول واسع، ووصلت التعبئة إلى ذروتها، والسلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي لمباركة دولية– يبدو أن “المهدي” يسعى لها– سيكون هنا احتمالان:
– انتفاضة سلمية شعبية.
– أو أن يستبق الرئيس ومعاونوه الاشتباك فيصادقوا على مصالحة تاريخية على طريقة الـ(كوديسا).
وهذه، قيمة مضافة في الطريق نحو عالم عادل وديمقراطي كوسيلة مشاركة مع مؤسسة (قوس) في رسالتها.. هكذا أنهى “المهدي” محاضرته بمناسبة تسلّمه جائزة (قوس).
السيد “الصادق المهدي” في محاضرته الطويلة، التي اكتفينا منها هذا اليوم بالنقطة الرابعة الخاصة بالأزمة في البلاد وكيف يرى الرجل حلها وفق برنامج حزبي، نعود لنقول إنه كما درج على الدوام لا يرى الأمور إلا من الوجه الذي يراه ويلبي تطلعاته ويخاطب مصالحه– إن صدق التعبير– فهو يتحدث عن اتساع المعارضة للنظام وإخفاقاته الاقتصادية وتحدياته الأمنية، وينسى ما جرى ويجري هذه الأيام من دولة الجنوب ودولتي أثيوبيا وإريتريا، وقبلها جميعاً دولة تشاد، من خصوصية في العلاقات والتطورات الإيجابية مما يدعم الأمن والاقتصاد، والوقفة الأفريقية الإيجابية ضد الجنائية الدولية وادعاءاتها على الرئيس السوداني وغيره من الرؤساء الأفارقة.. وداخلياً يغفل الإمام “الصادق” ما ينتاب أحزاب المعارضة السودانية من تصدعات وتهتكات لا تعينها على الوقوف ضد النظام بقوة، ذلك أن ما فيها يكفيها– كما يرى المراقب.
وحديث السيد الإمام المشكور والمقدر عن الجهاد المدني وإسقاط النظام سلمياً، ينسى فيه الانتخابات العامة التي يجري الإعداد لها في العام 2015م كوسيلة ديمقراطية وسلمية تحقق الاستقرار والمصلحة العامة، ولكنه كغيره ممن لا يؤملون في الانتخابات، يسكت عن ذلك ويصمت، ويتحدث عن تغيير للنظام عبر الإضرابات والاعتصامات، أو اختيارياً عبر الـ(كوديسا) الجنوب- أفريقية.. وهو ما لا يبدو أن النظام الحاكم وشركاءه وأمامهم الانتخابات العامة سيلجأون إلى مثل ذلك الشيء.. والشعب الذي انتخب الرئيس والأجهزة التشريعية في الدورة الماضية، هو الذي سيقرر من هو البديل في الانتخابات المزمعة في 2015م.
أما التظاهرات والاحتجاجات التي لم تنجح من قبل، لا يتوقع لها نجاح في الفترات القادمة وإن عوّل الإمام “الصادق المهدي” على ما حدث في الفترة الأخيرة من خروج البعض على الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، وهو ليس بالشيء الذي يذكر، ولم يُعلم له بعد من حجم أو مستوى، بل أصيب هو الآخر بالخروج عليه، وهو حديث المولد والنشأة – كما جاء في الصحف مؤخراً.
ولعل هذه النقطة (نقطة الانتخابات) وهي من أكبر وسائل التغيير التي تؤدي إلى الطريق نحو عالم عادل وديمقراطي، كما تقول مؤسسة (قوس) في رسالتها، يتعين على الإمام “الصادق” الحائز على جائزتها أن يقدرها ويعمل لها، لا أن ينساها ويتمرد عليها مستغلاً الدعم الدولي والجنائية الدولية في تغيير النظام ولو بوسائل سلمية كما قال.
إن الحبيب الإمام– كما يتداول التعبير أفراد أسرته– لديه مقدرات هائلة– ما شاء الله– في أن يحقق له فكرة وخطابه السياسي والديني يؤهله لأن يحوز على جائزة عالمية مثل جائزة (قوس) الفلبينية ذات الأهداف العالمية الديمقراطية والعادلة.. وما عدا ذلك، ومنه ما اشرنا إليه، لا يوصل إلى ذات النتيجة. ولا نريد أن نكرر من تجاربه السياسية والديمقراطية العملية ما يمكن أن يشار إليه في هذا السياق، وهو ليس بالقليل، وقد مارس تجربته السياسية في سن الثلاثين من العمر وهو الآن على أعتاب الثمانين– حفظه الله.
ولأن مثل هذه الجائزة– كما قال السيد “الصادق المهدي”– في مستهل محاضرته المشار إليها، تؤسس (معرضاً للصور النموذجية التي تقتدي بها الأجيال وتتمثلها لترتقي لمصافها..)، فإن تواؤم الأفعال مع الأقوال يظل مطلوباً ولابد منه.. ومن هذا:
– حربه على السياسة والقداسة ثم عودته إليها.
– ورفضه للتقويم والترتيب الأسري كأداة للقيادة الدينية والسياسية، والإشارة هنا إلى خلافه مع عمه الإمام “أحمد المهدي”.. وهو الآن يقرّب أفراد أسرته (رجالاً ونساءً) على غيرهم..!
غير أني- وغيري فيما أرى وأتصور- نسعد ونفخر بحصول السيد الإمام على جائزة (قوس) العالمية، ففي ذلك شرف لنا ولوطننا السودان وديننا الإسلام، ولابد أن من رافقوه إلى (مانيلا)- عاصمة الفلبين، من غير أفراد الأسرة والحزب، قد عبروا عن ذلك.. فلهم منا الشكر.. والتهنئة للسيد الإمام.