أخبار

بين القلب والعقل!

لو ارتهنا للمقولات اليومية ستصيبنا الحيرة وسنتردد كثيراً في اتخاذ أي قرار مصيري.. فبعض الناس حين يتحدثون عن مسألة الاختيار مثلاً يقولون اجعل عقلك حكماً وليس قلبك.. وفي المقابل فهناك من ينصح بأن نحتكم إلى القلب في اختياراتنا وليس العقل وهؤلاء غالباً ما يكونون تحت تأثير الرومانسية وبراءتها المفرطة!!
وفي الإبداع يختلط القلب بالعقل أحياناً أو يطغى أحدهما على الآخر في أحايين أخرى، لكن السائد أن مثل هذا التفريق نادراً ما يمكن التأسيس له بشكل قاطع، حيث تبدو العملية الإبداعية معقدة إلى حد كبير وتختلف أنماطها بين إبداع وآخر وبين موضوع وموضوع.
الأديب الشهير “هيربرت جورج ولز” سُئل يوماً عن ما هو العلم وما هو الأدب وما هو الفرق بين الاثنين فقال: (العلم عقل، والأدب قلب.. وكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون أحدهما فهو ميت عندما يتوقف قلبه، وهو حي ميت عندما يتوقف عقله عن العمل، كذلك الكاتب لا يمكن أن يكتب بعقله وحده ولا يمكن أن يفكر بقلبه وحده.. لابد للعقل والقلب من أن يمتزجا في كل رأي، في كل فكرة لأن هذا هو الفرق بين إنسان الأمس وإنسان هذا العصر، فالأخير يصنع بعقله مستقبل البشرية).
والواقع أن رؤية “هيربرت جورج ولز” تتأسس من كونه أحد الكتاب القلائل الذين جمعوا بين التفكير العلمي والأسلوب الأدبي في مؤلفاتهم وربما هذا ما جعله ينفرد برؤى إستشرافية عظيمة أهلته للحديث في مؤلفاته عن غزو الإنسان للقمر قبل أن يتحقق ذلك على أرض الواقع بربع قرن من الزمان.
وحالة “هيربرت جورج ولز” قد لا تتكرر مع أدباء آخرين مثله جنحوا إلى العاطفة واستسلموا تماماً للقلب، فغاب صوت العقل عندهم وانتفت مسحة العلمية من أطروحاتهم.
إننا هنا لا نحاول أن نتخذ موقفاً أدبياً وفكرياً من العقل أو القلب، ولكننا فقط نضيء المشهد كما هو عليه لنسجل بأن الكتابة الأدبية المحضة ظلت دائماً توصف بالعاطفة الجياشة والأحاسيس المتدفقة وهذا فقط ما كان يؤهلها لأن تكون في مصاف التجارب الأدبية الحقيقية ومادون ذلك فهي تعتبر أسيرة للعقل وكأن ذلك يجردها من أدبيتها، وربما هذا أيضاً ما جعل النقاد يضعون قسماً خاصاً في الرواية للرواية العلمية وهو تقسيم يعضد من فكرة انتماء الأدب إلى “اللا علم” بالمعنى الأكاديمي أو “اللا عقل” بالمعنى الإنساني.
حقيقة الأمر أن مابين القلب والعقل معاً توجد مساحة جديدة للكتابة الأخرى بدأت تظهر إرهاصاتها منذ أزمان مضت ومازالت حتى يومنا هذا تحاول فرض حضورها غير عابئة بالتقسيمات التي يمكن أن تؤول إليها لاحقاً ضمن منظور النقد.. أما على صعيد الواقع اليومي فمازال هناك أنصار للقلب ومازال هناك أنصار للعقل، بينما الرهان مازال قائماً أيضاً حول من يجرؤ على إسكات صوت أحدهما بشكل قاطع ونهائي، حيث يبدو الرهان بهذه الطريقة معجزاً إلى حد كبير ويحتاج إلى مفاجأة من النوع العضوي الذي بموجبه يصاب الإنسان بسكتة قلبية أو أخرى عقلية، وفي الحالتين على هذا الإنسان السلام!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية