سافر جوبا..!!
استحسنت توجيه الأستاذ “علي عثمان محمد طه” لرئيس الاتحاد الوطني للشباب السوداني– الذي التقاه- بالتواصل مع شباب دولة جنوب السودان، الذي يبقى، حسب ما أؤمن، بلداً خرج من رحم التاريخ السوداني وثقافته ومزاجه، وأؤمن فوق هذا بأن الانفصال كان قراراً سياسياً أكثر من كونه أمراً طبيعياً، فلا يزال الجنوب مرتبطاً بشقه الآخر (الشمال)، وإن قالت الجغرافية وتقاسيم السياسة وتعريفاتها أمراً آخر.. وصحيح أن الأجواء بين البلدين الجارين والشقيقين لا تزال تخيم عليها أجواء الهواجس والظنون، وإن باتت مؤخراً تمضى نحو الاستقرار، وصحيح أن ما بينهما من توترات يزيد وينقص، ولكن تبقى الحقيقة التي لا مراء فيها أنهما آخر الأمر سيتعايشان من منطلق المصالح المشتركة التي تتغلب حتماً على التكتيكات اللحظية والمواقف العابرة.
يجب ألا يجرمنا شنآن الخصومة والثارات على النظر في أعماق الموقف لنتخذ الصحيح والمناسب، ولهذا فمن الأسلم والأوقع أن يكون السودان بقطاعاته الحية والنشطة في مقدمة الناشطين مع البلد الجار، فنحن أولى من الآخرين.. الخرطوم أولى بجوبا من كمبالا ونيروبي وغيرهما.. وجنوب السودان وفق شواهد عديدة يتجه صدقاً نحو التطبيع الجاد والبناء مع الخرطوم.. استحقاقات المشهد السياسي الداخلي جنوباً تعزز هذه الفرضية، فمن الواضح حالياً أن ثمة تجاذبات بين الأطراف هناك وصلت مرحلة المواجهة الحاسمة من عزل وإعفاء، مما يشير إلى أن ثمة ترتيبات نهائية لواقع جديد من ضمن أسباب فرضه استحقاقات الجوار الآمن مع البلد الأم.
أغلب الظن أن الفريق “سلفاكير ميارديت” رئيس الدولة يدرك أن صراعات الأجنحة والتيارات بين يديه تؤجل انفجارها فقط، ولكن في حال وقوع تلك اللحظة فمن الأسلم له، بل الأسلم للجميع، أن يكون السودان حينها حليفاً وحليفاً قوياً للجنوب، فأي اختلال في هذه المعادلة سيجعل من هذا الموقف سالباً على الجهة الحاكمة تحديداً في القصر الرئاسي بالعاصمة الجنوبية.
عليه، سيكون أيما تواصل شعبي هناك بين البلدين دعماً لقاعدة استقرار وتقوية لجبهة المؤمنين بعلاقة سوية مع السودان، هذا بخلاف أنه إكرام وبر بملايين الجنوبيين الذين لا تزال أفئدتهم معلقة بأوتار الحنين إلى ديارهم القديمة.. سنوات العيش والجوار كفيلة بتحصين مستقبل التواصل بين الخرطوم وجوبا، فمن يتلقط القفاز من الدوائر والمنظمات، فلا يقبل أن يكون كل أمرنا مع الجنوب صنعة وحرفة الحكومة فقط في وفود التفاوض واللجان المشتركة وما أكثرها، إذ حان الوقت لترك مساحة للجهد الشعبي والمبادرات غير الرسمية، وما أكثر الناشطين في هذا المضمار من أدباء وفنانين وحاملي أفكار وبرامج قد يساهمون كلهم في تشكيل رأي عام إيجابي مفيد للشعبين شمالاً وجنوباً، فبعد سنوات من الانفصال اختبر كل جانب واقعه، وقطعاً فإن الدرس قد اتعظ به الجميع.