رأي

عبدالرحمن أحمدون

عشرات من اللاجئين والعرب غرقوا وهم يحاولون الوصول إلى استراليا.. وهذا ليس الحادث الأول ولن يكن الأخير.. ما الذي اضطر هؤلاء المساكين لمحاولة السفر إلى تلك الأرض البعيدة مع كل ما يصحب ذلك من مخاطر بطريقة غير مشروعة؟ إن حالهم يذكر بالمثل المصري (أيه صبرك على المر قال اللي أمر منه) والذي أمر أن إخوتهم في العروبة يرفضون هجرتهم لأنهم يرونهم عمالة زائدة. وبدلاً عنهم يذهب أصحاب الأعمال إلى بنغلاديش وإندونيسيا والفلبين وغيرها من الدول الآسيوية لتشغيلهم في وظائف يستطيع العامل العربي العمل بها لأنها لا تحتاج إلى خبرة ومهارة مهنية كبيرة.
أي عربي يواجه الآن مشقة كبيرة في الحصول على تأشيرة دخول إلى بلد خليجي، لأنه في رأيهم جاء بغرض البحث عن عمل والإقامة في البلد الذي هاجر إليه.. إذن أي عربي أو مسلم هو متهم إلى أن تثبت براءته.. ولم يعد أمامهم سوى ركوب الصعب إلى بلاد بعيدة ومحاولة التسلل سراً إلى تلك البلاد، وتكون النتيجة وقوعهم تحت رحمة السماسرة وغرق سفنهم وغرقهم معها.. ولا أحد منا يحس بالخجل من محاولة بعضنا الهجرة عبر آلاف الأميال وركوب البحار ليجد بلداً يقبله مهاجراً.
لماذا نخاف من المهاجر العربي لدرجة أننا نضع قوانين تجعل هجرته مستحيلة؟ وإذا نجح في التسلل نطارده من شارع إلى شارع ونقبض عليه ونرحله إلى بلده الذي جاء منه، ونحتفل بنجاحنا في أننا نجحنا في منع إخواننا من دخول بلادنا، وكأن الواحد منهم لو جاء سيأخذ جزءاً من رفاهنا.
المشكلة أن وزراء العمل العرب يتجنبون مناقشة هذه المشكلة لمعرفة أسبابها ووضع حلول لها.. أخاطب الدول الخليجية: ألم تقرأوا الأمر الإلهي بتقديم ما زاد عن حاجتكم إلى إخوانكم المحرومين.. إن دول الخليج لا تعرف أن الثراء الذي تعيشه سببه الفقراء من العرب، فلولا حرب أكتوبر 73 ما قفزت أسعار البترول ثلاث مرات فأصبحت الدول المنتجة له ذات فائض كبير في الموازنة، وحسنت أموال مواطنيها بفضل عائدات البترول الكبيرة.. لقد رأينا كيف كانت أحوال الدول وكيف أصبحت بعد أن تضاعفت عائداتها.
يقولون إن بعض دول الخليج تأوي أكثر من ثمانية ملايين آسيوي، أليس في الإمكان الاستغناء عن نصفهم ليحل محلهم الإخوة العرب المسلمون؟
هذا الإجراء لو تم لن يكلف شيئاً ويحل مشكلة الملايين ومعهم عائلاتهم.. إن الإخوة العرب المسلمين لديهم قدرات كبيرة في مختلف التخصصات، وهم ليسوا بحاجة إلى وساطة أو مجاملة في اختيارهم.
أعتقد أن الأكثر حاجة هم الفلسطينيون، فالإسرائيليون يضيقون عليهم، وينبغي أن يجدوا الأولوية في الهجرة، وينبغي أن يبدأ بالعمالة غير المدربة الذين يؤدون أعمالاً لا تتطلب مهارات كبيرة.. لماذا لا تعدل القوانين ليكون من حق أي عربي دخول أي بلد والبحث عن عمل في ذلك البلد، ويمكن تطوير أساليبنا الأمنية بحيث يمكننا متابعة تحركاتهم وإبعادهم إذا ظلوا بدون عمل لفترة طويلة.. في أي بلد أوروبي يستطيع أي أوروبي من أي بلد دخول أي قطر ببطاقته الشخصية والتجول في عدة بلدان بحثاً عن عمل ولا أحد يطارده، بل تفتح له كل الأبواب، ونحن نستورد عمال النظافة من بنغلاديش وكأننا لم نجد من العرب من يستطيع أداء هذا العمل البسيط.
البعض يتخوف من أن أي عربي يضع في اعتباره الاستقرار والإقامة الدائمة في البلد الذي يأويه، مما يكلف الدولة المستضيفة إيجاد مكان له ليسكن فيه وطعاماً وعلاجاً، وننسى أن الرازق هو الله تعالى.
إن كل هؤلاء الذين يحاولون الهجرة إلى بلاد بعيدة ويركبون الصعب بالإمكان استضافتهم، ولا أعرف السبب الذي يجعل بعض دول الخليج تضع قوانين تمنع الزواج بين مواطنيها ومواطني الدول العربية الأخرى حتى أصبح ذلك من المحرمات.. هل هذا من الإسلام؟ هل أضحى خوفنا على رفاهيتنا يدفعنا لكي نخالف مبادئ الإسلام؟ إن كل العرب الذين يقيمون الآن في الدول الخليجية هم ناتج هجرة قديمة، لأنه في تلك الفترة لم يكن هناك ثراء.. ترى كيف سيكون حالهم لو لم يسمح لهم بالهجرة والإقامة؟! الآن ينبغي وضع قوانين جديدة لا تمنع الهجرة والإقامة بين الدول العربية، وأن تكون الأولوية للفلسطينيين بسبب وضعهم الخاص، ويجب أن نتذكر أن الظروف متغيرة، ويمكن أن يصبح الفقراء أغنياء في أي وقت!!
{ سؤال غير خبيث
أليس في إمكان دولة خليجية واحدة استيعاب كل اللاجئين الفلسطينيين؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية