تقارير

تشكيلة (الإنترنت) .. وتفتيش داخل وزارة «المتعافي» ..!

عندما تشتد الأزمات السياسية، اعتاد الناس أن تخرج عليهم السلطات الحاكمة بالإعلان عن تغييرات شاملة تطال أجهزة الدولة.. وقد ينظر إليها البعض في إطار إصلاحي يمكن أن يقود إلى أوضاع أفضل، فيما ينظر إليها آخرون في إطار امتصاص تذمر الشارع العام من بعض السياسات، خاصة أن معظم التغييرات التي تمت قبل ذلك لم تحدث جديداً على أي مستوى من مستويات السلطة.
الإعلان عن نية الدولة إحداث تغييرات تنفيذية وتشريعية وولائية، جاء هذه المرة على لسان أعلى سلطة في الدولة، وهو الرئيس «البشير»، في الجلسة الافتتاحية لمجلس شوراه الأخير، في وقت يعاني فيه المواطن من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بعد تطبيق سياسة رفع الدعم عن المحروقات، إضافة إلى تأثر بعض السلع الأخرى بهذه السياسة مثلما حدث بالنسبة لسلعتي الخبز، واللبن، الأمر الذي دعا المواطنين إلى المطالبة بتغييرات شاملة تشمل كل المسؤولين حتى تأتي الحكومة القادمة برؤية جديدة ووزراء ناجحين حسب ما قالوا.
ويبدو أن هناك بعض مسؤولي الحكومة لهم نفس الرؤية، لكن ربما لا يكونون من القابضين على مواقع تنفيذ القرار، أو حتى المشاركين في مطبخ التشكيل الوزاري.. كذلك هناك من هو محسوب على متخذي القرار وله رؤية مخالفة لفكرة التغيير الشامل، بحجة أن هناك وزراء يفهمون ملفات بعينها واختيار شخص جديد قد يكون على حساب عمل هذه الوزارة، لأنه سيحتاج إلى وقت لفهمها، في إشارة إلى «عوض الجاز» وزير النفط و»أسامة عبد الله» وزير الكهرباء، بجانب قربهما من الرئيس الذي ينتهي عنده قرار التشكيل.
هناك ثمة ملاحظة هي أن التسريبات التي خرجت من دهاليز مكاتب السلطة، أكدت أن ما سيحدث لن يتعدى التنقلات الروتينية التي درجت الحكومة عليها في أي تعديل وزاري، وتوافق هذا الرأي مع بعض المراقبين الذين دعوا إلى الابتعاد عن القبلية والترضيات.. أما المواطنون فقد طالب بعضهم وفق الاستطلاع الواسع الذي أجريناه بمغادرة بعض الوزراء، فيما حدد معظمهم ثلاثة وزراء قالوا (لابد من تغييرهم)، منهم وزير المالية «علي محمود» ووزير الزراعة «عبد الحليم المتعافي».
(المجهر) حاولت إجراء تفتيش داخل الوزارات، للتعرف على الأوضاع داخل الوزارات التي يتوقع الناس تغيير وزرائها، وابتدرت هذا التفتيش بوزارة الزراعة… وكانت هناك ثمة ملاحظات تمثلت في وجود بعض العاملين خارج المكاتب يتحدثون عن الشأن العام، ومن زيهم المشترك وطبيعة القضايا التي يناقشونها يبدو أنهم سائقو مركبات الوزارة مع بعض (الجناينية).. حاولت الاقتراب منهم فوجدتهم يتناولون همومهم المرتبطة بزيادات المرتبات الأخيرة، وكيفية إدراجها في المرتب، ويعرجون أحياناً للحديث عن الظروف المعيشية الصعبة.. تقدمت قليلاً.. رأيت شكلاً جديداً للوزارة تمثل في طلاء الجدران والمكاتب باللون (البيجي) الذي لا علاقة له بلون الزراعة لا أدري أهو بمناسبة وداع «المتعافي» المفترض واستقبال الوزير الجديد؟ أم أنه إجراء روتيني يتم في كل عام؟! تحركت في فناء الوزارة، فوجدت معظم الحديث يدور عن الوزارة وقصة أسمدة القمح التركية من صنف (إمام) التي أزكمت أنوف المزارعين والإعلام.. اتجهت إلى سائق مركبة خاصة، ووفقاً لإفاداته، أنه من المداومين على الوجود في وزارة الزراعة وزبائنه من الوزارة.. تبادلت معه أطراف الحديث، فوجدت أن هناك صلة قرابة تربطه بشخص يعدّ واحداً من المرافقين الدائمين لـ»المتعافي».. سألته عن ما يقوله موظفو الزراعة عن «المتعافي» فقال: (والله بقولوا صادق ومتمسك بالدين) قلت له: بالتأكيد هناك آراء أخرى؟ فرد باختصار: (بالطبع).
هذا كان الرأي داخل الوزارة، لكن حينما خرجت إلى فضاءات المزارعين وجدت أصواتاً معارضة لعودة «المتعافي» إلى وزارة الزراعة مرة أخرى، وهذه الأصوات ظهرت منذ توليه رئاسة مجلس إدارة مشروع الجزيرة خلفاً لـ»الشريف عمر بدر».
وعندما سألت هؤلاء عن أسباب رأيهم السالب في «المتعافي» قالوا: (هو ما عمل شيء في وزارة الزراعة)، رغم ذلك يتقلد هذا المنصب، وأكدوا أنه لم يضف لهذا المجلس شيئاً يذكر، ولا توجد رؤية واضحة للزراعة، والدليل على ذلك في الوقت الذي وجهت فيه الدولة بترقية القطاع الزراعي وزعت أسمدة تركية (صنف إمام) للمزارعين بمشروع الجزيرة، كما أن الموسم الزراعي السابق كان فاشلاً مما دعا المسؤولين إلى إعلان حالة الطوارئ في مشروعي الجزيرة وحلفا الجديدة، وسبق أن نوهت اللجنة الزراعية في المجلس الوطني إلى خروج مساحات زراعية بسبب شح المياه.. واختتموا حديثهم بقولهم: («المتعافي» لم يكن متحمساً ولا توجد رؤية أو سياسات للنهوض بالزراعة.. و»المتعافي» ما عندو حلول للزراعة).
ووفقاً لإفادات بعض منسوبي الحزب، فإن «المتعافي» مسنود بدعم من الرئيس «البشير»، وربما يكون هو من دفع به إلى وزارة الزراعة، أملاً في النهوض بهذا القطاع على خلفية النجاحات التي حققها في مناصب سابقة، وربما هذا مادعا في وقت ما «المتعافي» إلى إعادة مدير وقاية النباتات الذي كان بمثابة خبير رغم قرار الرئاسة الذي قررت فيه إنهاء عقود الخبراء والمستشارين، وشغل هذا الأمر الإعلام حيناً من الوقت.
وقد يكون الرئيس نفسه اقتنع بعدم نجاح «المتعافي» في الزراعة، لا سيما أن ترشيحات التسريبات التي تداولها الناس عبر رسائل (الموبايل) أول أمس استبعدت «المتعافي» من الزراعة، وحسب التسريبات فإن الموقع سيشغله «عبد الرحمن أبو مدين». ورغم تشكيك الناس فيما حملته رسائل الهواتف من أخبار عن التشكيل الوزاري القادم، إلا أن مقربين من السلطة الحاكمة تحدثوا عن أن ما تبادله الناس عبر الرسائل قد يمثل (60%) من الحقيقة، ومن قاموا ببثه عبر (الموبايلات) أرادوا أن يكون بمثابة بالونة اختبار للمواطنين، خاصة أن حديث المسؤولين في الإعلام رفع من سقف التوقع بالنسبة لهم، وهذا الخبر سيمكّن السلطة من قياس اتجاهات الرأي العام.. البروفيسور «حسن الساعوري» مضى في ذات الاتجاه، حيث قال لـ(المجهر) أمس إن ما نشر عبر رسائل (الموبايل) وتبادله الناس يشير إلى أن الحزب الحاكم، وليس الحكومة، هو من أراد جس نبض الشارع العام، وتوقع أن يكون ما نشر يمثل الحقيقة بنسبة عالية، وقد لا يحالف بعضه الصواب، وأعقد أن الهدف من إتباع هذا الأسلوب هو معرفة رأي الناس في ما تم إعلانه، إلا أن البروفيسور عاد وقال: (لا أظن أننا وصلنا مرحلة جس نبض الشارع حتى تقوم الحكومة بالاستجابة إلى متطلباته، لكن الأرجح أن يكون الغرض هو شغل مواطن الشارع العام بقضايا انصرافية تنسيه هموم الغلاء، وصفوف الخبز وبحثه عن أنبوبة الغاز، حتى ينتقل الناس في ونسة المجالس من الحديث عن الضائقة المعيشية إلى الحديث عن أن الوزير الفلاني مغادر وهذا قد تمت إعادته).
أحد منسوبي الحزب الحاكم عدّ ما تم أنه ربما يكون شكلاً من أشكال استجماع المعلومات للأجهزة المعنية، سواء في الحزب أو مؤسسات الدولة، للتعرف على المسارات بشكل عام وترتيب مهامها وفقاً لنتائج ردود أفعال الشارع العام، وتقييم وتحليل ردة الفعل، وقال: (هذا أسلوب متبع حتى في الدول الكبرى، يستخدم لمختلف القضايا التي يراد فيها جس النبض من خلال استبعاد بعض الأسماء التي ينادي المواطنون بتغييرها والزج بأسماء أخرى لمعرفة رأي الناس فيها).
إذا صح التشكيل الوزاري الذي نُشر عبر رسائل (الموبايل) والـ(فيسبوك)، فإن المؤشرات ستدل على عدم وجود تغيير كبير في التشكيل القادم، كما توقع معظم المراقبين، كذلك واقع الحال يشير إلى عدم التغيير الشامل الذي وعدت به الحكومة، على خلفية فشل السلطة في إقناع الأحزاب المؤثرة بالمشاركة في التشكيلة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية