العافية درجات..!!
لم تخيّب المعارضة السودانية ظني فيها، فقد قاطعت الملتقى الاقتصادي الثاني، حيث قاطع كل من حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي وأحزاب أخرى، وبررت موقفها بأن الحكومة سبق أن نفذت الإجراءات الاقتصادية وماضية في تنفيذ ما تبقى، مشيرين إلى أن مشاركتهم لا معنى لها، ووصفوا الملتقى بأنه مجرد فرقعة سياسية تمهيداً للكارثة! وكان من الأوفق قول هذا الحديث وإظهار ذات الموقف من داخل المنشط، حيث يمكن تقويم الموقف الاقتصادي، فطالما أن الغرض بالنسبة للمعارضة إقالة عثرة الشعب السوداني فما المانع أن تتقدم بما تراه صحيحاً من برامج ومقترحات وخطط للإنقاذ هذا إن كانت تملك أصلاً شيئاً من ذلك، وأما إن لم تكن تملك فعليها الالتزام بالصمت عوضاً عن لغة تسفيه كل شيء، لمجرد أنه جاء من الحكومة.
إن بعض ملامح أزمتنا السياسية، هذا المنطق الطفولي الذي يتحكم في اتجاهات وتقديرات النشطاء السياسيين المعارضين الذين يظن بعضهم أن السبّ واللعن والتقليل من قيمة الأشياء يعني بالضرورة إنقاص قدر الحكومة ودحض حجتها أمام المواطنين، وقطعاً فإن هذا تقدير خاطئ لأنه ينم عن غياب كامل للموضوعية والعدالة التي يمكن أن تؤسس عليها عملية البناء العام، الذي هو حق وواجب للمعارض والحاكم دون التقيّد بمواقع وقوف كل فريق داخل السلطة وخارجها.
الحال الاقتصادي ظاهر بين أيدي الناس ولا يحتاج إلى مذكرات تفسيرية، وقد أدينت به الحكومة ودفعت ثمناً باهظاً من صورتها وثقة الناس فيها وتناقصت شعبيتها، وكاد أن يوردها مهالك ومصارع السابقين، ومن ثم فإن أي حديث من شاكلة أنها فشلت وفعلت وتركت لا يجدي فتيلاً، ولا جديد فيه، إذ لن يكون سوى استهلاك، ولو أن المعارضة مسؤولة وتهتم لأمر الناس لحرصت على أن تشارك وبفعالية لا تخلط فيها بين الوطن والوطني، فطالما أن المؤتمر الاقتصادي للجميع، وهو عملية ونفير جماعي من كل القوى والأطراف لأن تقدم ما لديها من أفكار ومشروعات لصالح الاقتصاد الوطني.. هذا الأسلوب من القطيعة والعصيان لن يضر الحكومة شيئاً ولن يضر المواطن ولا السودان الكبير هذا، لكنه سيثبت ببساطة أن المعارضة السودانية كتلة من القوى التي أعماها الحقد عن أية مكرمة، فتنازلت حتى عن أخلاق السودانيين الذين يترفعون حين الملمات عن صغائر الخلافات وكبيرها ويتحدون لصالح ما يجمع أكثر مما يفرق.. ويبدو أن هذه فكرة قديمة ومنقرضة، إذ إن الحال يقول إن الخلاف السياسي صار قطيعة دائمة لا تنفض إلا بأن يورد هذا ذاك إلى قبره وحتفه، ولكن أن يلتقي الفرقاء فذاك محال.
المؤتمر الاقتصادي بغض النظر عن آراء الناس فيه، وحالة البغض العريض التي حازها وزير المالية “علي محمود” وما قرب إلى وزارته من قول وعمل، فإنه خطوة تصحيح لا بأس بها، لأن مجرد الاعتراف بوجود خطأ ومشكلة والدعوة للتناصح، هو تطور إيجابي ونقلة جديدة.. والعافية درجات.