الملتقى الاقتصادي الثاني .. انعقاد في منحنى التحديات وانتظار لـ (فاعليّة) التوصيات!!
احتشد أمس بقاعة الصداقة بالخرطوم أكثر من ألف من المختصين والخبراء في عدة مجالات، في أكبر تظاهرة اقتصادية تشهدها البلاد، متمثلة في الملتقى الاقتصادي الثاني لوزارة المالية والاقتصاد الوطني، الذي يأتي في ظل معضلات اقتصادية ضخمة تواجه الدولة. ويهدف الملتقى لبحث معالجات للمشكلات الاقتصادية.
وشهد الملتقى اهتماماً واسعاً وحضوراً لافتاً لممثلي الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية والجامعات ومراكز البحث العلمي، إلى جانب مشاركة ممثلي البعثات الدبلوماسية وعدد من خبراء من الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين والبنك الإسلامي للتنمية بجدة،
ويختتم الملتقى فعالياته اليوم، حيث من المتوقع أن يصدر توصيات تمثل نقطة تحول في مسيرة الاقتصاد الوطني وإعادته للتوزان في خضم التحديات الراهنة.
في فعاليات الملتقى أمس رصدت (المجهر) غياب أبرز الأحزاب السياسية، رغم الدعوات التي قدمت لها، وشاركت بعض منها في المناقشات.
{ الموجهات العشرة
رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” أعلن أمس عن عشرة موجهات عامة للملتقى الاقتصادي، وخاطبت هذه الموجهات مختلف قضايا الاقتصاد الوطني، ودعا إلى العمل على تقييم مسيرة النظام المصرفي والنقدي، ووجه بضرورة تقوية تجربتها وتثبيت دعائمها باعتبارها تجربة رائدة وركيزة لمستقبل الاقتصاد الوطني، بجانب وضع المقترحات والتوصيات اللازمة لمزيد من تخفيف آثار الإصلاحات الاقتصادية والمالية على الفئات الضعيفة في المجتمع .
وطالب رئيس الجمهورية بتقديم المقترحات والتوصيات اللازمة لرفع مستويات المعيشة، ومعالجة بؤر الفقر والعوز، والعمل على إعداد مقترحات لمحاربة مسببات الغلاء والمضاربات الضارة بالاقتصاد الوطني والمواطنين. .
ووجه بتحديد السياسات اللازمة لتقريب الفوارق الإنمائية بين أقاليم السودان المختلفة، وتقييم تجربة التنمية الإقليمية في مجال العلاقة بين المركز والولايات في إطار الفدرالية، والعمل على فحص أسباب تدني الإنتاج والإنتاجية في القطاع الحقيقي، وتحديد الأولويات القطاعية والمشروعات التي ينبغي التركيز عليها في المدى القريب والمتوسط.
{ إعادة النظر في البرنامج الثلاثي
وعلى هامش المؤتمر التقت (المجهر) وكيل وزارة المالية “يوسف عبد الله الحسين”، الذي أكد ما طرحه الرئيس من موجهات عشرة في الملتقى للتداول والخروج بتوصيات لحل كل الأزمة الاقتصادية أو تعديل البرنامج الثلاثي لاستدامة الاستقرار الاقتصادي 2012 ـ 2014 ـ وتأخر دخول رسوم نقل إيرادات نفط الجنوب، مبيناً أن الملتقى يهدف لجمع الصف الوطني لتصحيح مسيرة الاقتصاد، وقال إن جزءاً كبيراً من توصيات الملتقى سيكون عن الموازنة 2014 التي سترفع إلى مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، وأكد أن واحدة من التحديات انخفاض الإنتاج والإنتاجية، وله أثر على الموازنة الداخلية وأضاف: (الملتقى سيركز على تقييم البرنامج الثلاثي وحجم الموازنة وما بها من زيادات كبرى في الإيرادات)، وكشف أن مجملها بلغ ما بين (40) إلى (45) مليار دولار.
ورغم دعوة الأحزاب السياسية للملتقى، وأفردت مساحة نصف ساعة لها في الجلسة الأولى لمناقشة تقييم البرنامج الثلاثي، إلا أن أياً منها لم يشارك في الجلسة، وانحصر التمثيل في حزب المؤتمر الوطني، حيث قدم عنه أمين الأمانة الاقتصادية د.”حسن أحمد طه” ورقة (تقييم البرنامج الثلاثي الاقتصادي)، وذكر أن الاقتصاد السوداني تعرض لصدمات؛ الأولى عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل، التي أدت إلى تحويل (50%) من إيرادات البترول المنتج في الجنوب، وحرمت الحكومة نصيباً مقدراً من مواردها، بالإضافة إلى صدمة الأزمة المالية العالمية، وصولا إلى صدمة انفصال الجنوب، وخروج (75%) من البترول المنتج في الجنوب، وأدى إلى أن يفقد السودان نحو (40%) من إيراداته قبل الاتفاقية، وفقد أيضا (60%) من إيرادات النقد الأجنبي بسبب الانفصال.
ويبدو أن المؤتمر الوطني بدا شفافاً في ورقته المقدمة وحوت مؤشرات سالبة في الاقتصاد في الفترة الأخيرة. وأشار أمينه الاقتصادي إلى دلالات لاختلالات هيكلية أخرى تمثلت في النمو المتصاعد للإنفاق الحكومي بحوالي تسعة أضعاف، وقال إن ذلك يعكس أن الفجوة الداخلية كانت تتزايد عاما بعد عام، رغم الزيادة الكبيرة في الإيرادات. ونوه د. “حسن أحمد طه” إلى أن الاقتصاد السوداني الكلي حقق نمواً إيجابياً في السنوات الثلاث الأخيرة بلغ (5.2%) و(1.96%) و(6.3%) رغم التحديات الكبيرة التي واجهته. ومن أبزر القضايا التي يركز عليها المؤتمر، البرنامج الثلاثي الاقتصادي، حيث أكد المؤتمرون أن أداءه تأثر بمجموعة من التطورات الداخلية والخارجية انعكست سلباً على معدلات تنفيذه من أهمها عدم انسياب بترول الجنوب عبر أنابيب الشمال وعدم انسياب التجارة مع الجنوب والتدهور الأمني في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وغزو حقل هجليج وتدميره وضعف الموارد الخارجية؛ مما أثر على مستوى احتياطي البلاد من العملات الأجنبية واستمرار العقوبات الاقتصادية من الخارج ومشكلة الديون.
{ الرئيس وحديث للقطاع الخاص
الرئيس البشير طالب لدى مخاطبته الملتقى خرطوم بمساهمة أكبر للقطاع الخاص في إنشاء المشروعات الإنتاجية والخدمية وإعطاء الأولوية لتوجيه الاستثمارات لمجالات إنتاج الغذاء والصحة والتعليم والتقانة ومشروعات البنى التحتية والتركيز على إنتاج سلع البرنامج الثلاثي للاستقرار الاقتصادي وأهدافه زيادة الصادرات وبدائل الواردات والاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي لبلادنا وللوطن العربي. وأوضح أن الظروف التاريخية التي أوجبت التركيز على قيادة القطاع العام لمسيرة الاقتصاد الوطني والجهود الإنمائية لم تعد مواتية لتحميل القطاع العام وحده تبعات وتغطية احتياجات وتطورات ونمو اقتصادنا الوطني، ليس فقط لطبيعة دوره ومسئولياته، وإنما أيضا لقصور موارده وإمكاناته المتاحة.
{ بين وزير المالية و”السيسي”
وزير المالية “علي محمود عبد الرسول” ظهر مهموماً ومشغولاً في المؤتمر ويتحدث لعشرات المشاركين، كما دخل وزير الكهرباء والموارد المائية “أسامة عبد الله” في حوارات. وأشار وزير المالية “علي محمود عبد الرسول” إلى العديد من التحديات التي تواجهه الاقتصاد حالياً، وهي تحسن مؤشرات الأداء العام للاقتصاد ومعالجة عجز الموازنة، بجانب إيجاد آلية وأموال لازمة لتمويل المشاريع المختلفة، بالإضافة لخفض معدلات التضخم وزيادة الإنتاج والإنتاجية.
لكن رئيس اللجنة العليا للملتقى ورئيس السلطة الإقليمية لدارفور د.”التجاني السيسي” أقر بوجود أزمة وتحديات تواجه الاقتصاد السوداني وقال: (لذلك قررنا عدم اقتصار النقاش على البرنامج الثلاثي، بل عممناه ليشمل كل لبنات الاقتصاد المختلفة بما فيها والمالية والتنمية المتوازنة والإصلاحات الاقتصادية وصولا لإيجاد حزمة متكاملة للإصلاح)، لافتاً إلى أن رفع الدعم وحدة لن يحل المشكلة بل السياسات الكلية، وقال: (الملتقى سيمثل نواة ومرجعية لتصحيح السياسات الاقتصادية وتطبيقيها بشرط توفر الإرادة السياسية) .
{ القطاع الخاص يشكو
القطاع الخاص كان حضوره لافتاً في الملتقى، وعبر عن شكواه صراحة للرئيس “البشير” من مفارقة كبيرة في تطبيق هذه السياسات على أرض الواقع، رغم المكاسب الكبيرة التي نالها القطاع الخاص في عهد ثورة الإنقاذ الوطني على مستوى السياسات والتشريعات، حسب رئيس اتحاد أصحاب العمل السوداني “سعود البرير”. ويقول “البرير” (إن انعقاد الملتقى الاقتصادي الثاني في هذا التوقيت وفي ظل هذا الظرف الاستثنائي الذي يمر به الاقتصاد الوطني، وهذا الحضور النوعي من رجالات الاقتصاد والسياسة يعكس وبجلاء إيمان القيادة السياسية بآراء الخبراء والمختصين من أجل تجاوز هذه الظروف التي تمر بها البلاد).
وأشار لدى مخاطبته الملتقى إلى أن القطاع الخاص من منطلق المسؤولية الوطنية كشركاء لهذه الدولة وعوناً لها آل على نفسه أن تكون المشاركة فى هذا المؤتمر مشاركة فعالة، وأن يقدم عصارة تجربة القطاع الخاص المستمرة والممتدة طوال الحقب الماضية، لذلك حرصنا على أن تكون رؤية القطاع الخاص مُدعمة بالدراسات والخبرات وسنكون حضوراً فاعلا في اللجان والقطاعات كافة دعماً بالرأي، ونقداً للذات، وموازنة بين ما هو مطلوب وما هو مُمكن.
وأكد “البرير” قدرة القطاع الخاص على بناء اقتصاد عملاق، مؤكداً توفر الموارد الطبيعية والكوادر البشرية والإرادة السياسية القوية، كما أكد الحاجة إلى مراجعة بعض السياسات الاقتصادية في مجال تشجيع الاستثمار الأجنبي والوطني، والحاجة إلى توجيه كل طاقات نحو القطاع الإنتاجي وتقديم كل التسهيلات لاستيراد سلعة الرأسمالية ومدخلات إنتاجه، وضرورة حصر النشاط التجاري بالداخل على رأس المال الوطني، كما هو معمول به في كل دول العالم .وأعرب عن أمله في التوسع في تمثيل القطاع الخاص في اللجنة العليا للبرنامج الإسعافي الاقتصادي الثلاثي وفي اللجنة العليا للإصلاح الاقتصادي، وقال: (حتى يقوم القطاع الإنتاجي بدوره علينا أن نتجاوز النظرة الإيرادية لهذا القطاع وأن نُوجه كل السياسات من أجل دعم الإنتاج والإنتاجية).
{ العودة إلى تجارة الترانزيت
وكشف “البرير” عن عودة وشيكة لتجارة الترانزيت التي كانت إلى وقت قريب تنشط في الولايات الحدودية قبل إيقافها بقرار رسمي من مجلس الوزراء، وقال في هذا الصدد (إننا نسعى هذه الأيام ومن خلال حوار جاد مع القطاع الخاص بدولة جنوب السودان وإثيوبيا وتشاد لتطوير العلاقات الاقتصادية وعلى استقبال واردات تلك الدول عن طريق ميناء بورتسودان وذلك في إطار تجارة الترانزيت مما يسهم في تحقيق إيرادات للدولة ، كما أننا بصدد زيارة دولة جنوب السودان في الأسبوع الأول من ديسمبر المقبل والمشاركة في منتدى الاستثمار الدولي بدولة جنوب).
إذن.. بالأمس كان الملتقى الاقتصادي.. وهو لم يكن الأول إذ سبقته من قبل مئات الملتقيات وورش العمل حول الاقتصاد.. وعليه نطرح سؤالاً: هل توصيات الملتقى ستجد حظها من الاهتمام أم أنها ستنتهي إلى أدراج المسؤولين وخزانات أرشيف الدولة؟!