دهشة سرية
لا أعرف من هم أولئك العباقرة الذين يطلقون الأسماء على الأشياء من حولنا.. وخاصة “الموبايلات” حيث أفاجأ كل يوم بمولود جديد واسم جديد.. ولا أملك إلا أن أمارس دهشتي السرية؛ بسبب أن كل من حولي يتعاملون بجدية مطلقة واحترام كبير لهذه المسميات، وكأنها مسجلة في شهادة الميلاد أو الشهر العقاري، وبالتالي لا يجوز التهكم عليها أو السخرية منها..!!
والناس جلوس يدردشون
تبدأ الونسة:
} تلفونك ده شنو!
– ربيكا
} شكلو جميل..
– والمعاك ده شنو!
} سلفاكير
– لا.. تمام
} في واحد نزل جديد في السوق.. حاجة خطيرة
– تقصد “الشيطان”
} لا.. أقصد “الهمر”
– “الهمر” مش عربية
} وموبايل برضو
– ياحليل الأرنب
} مالو.. مات
– لا.. الأرنب ده موبايل ستاتي.. كان ظريف خلاص
} ده الصغير.. وبشيلوهو البنات
– بس ياهو ذاتو
– – –
وأنا أستمع لمثل هذه الونسة السودانية الخالصة، أتساءل دائماً عن علاقة السياسة بالسيارات والأرانب.. والشياطين، كما أتساءل في صمتي عن أي إحساس هذا الذي ينتاب الذين يحملون في أياديهم وجيوبهم “ربيكا” و “سلفاكير” و “الشيطان” و “الأرنب” و “الهمر” لا شك أنهم يشعرون بامتلاك الدنيا ومفاتيحها..
ولم يخطئ أبداً ذاك الذي قال لي يوماً إن “الأسماء” هي “أوهام” أحياناً.. وتجعلنا نصدق أحلامنا..!!
أكاد أجزم أنه لو قام أحد الباحثين الاجتماعيين بدراسة حول ظاهرة أسماء الموبايلات أو حتى الثياب النسائية سيخرج بحصيلة خطيرة عن البعد النفسي للشخصية السودانية، وقد ينجح في حل كل مشكلات السودان، حين نكتشف مثلاً أن هذه “الأسماء العجيبة” تتقاطع أو تتصالح مع واقعنا.. فقط ربما سنحتاج إلى دجالين أو مشعوذين كي يفصحوا لنا عن العلاقة مع “الشيطان” والتي دفعت بالبعض لإطلاق اسمه على أحد الموبايلات.. وهو اتجاه بالفعل غريب.. ولا أظن أنني يمكن أن أشتري موبايل اسمه الشيطان، ثم أحمله في يدي أو داخل جيبي أو أتحدث به هكذا واثقاً ومطمئناً.. وهذه النتيجة قد تشكك في “المنهج” الذي تقوم عليه ثقافة الموبايلات، وتعيد الكرة إلى ملعب هو أقرب للجهل والتحكم المطلق للسماسرة وتجار الوهم الذين يسوقون لبضائعهم بهذه الطريقة العجيبة التي تنتقي “المسميات” و “الألقاب” على نحو- رغم عشوائيته- لكن قد يعبر عن فوضى الحواس وانتشار ثقافة الاستهلاك التي لا تخضع لمعيار يحكمها أو سلعة تلجم انفلاتها..!
– خاص جداً
من حقي أن أشتري “الموبايل” بلا اسم أو لقب.. وأن أسمِّيه بالطريقة التي تحلو لي وتعكس مزاجي وتفكيري.. لذا فالموبايل الذي أحمله لن أخضع لتسميته الرائجة، وإنما سأبحث له عن اسم خاص بي كي لا تتشابه الأسماء، وبالتالي يتشابه علينا العدد المهول من الموبايلات التي تملأ الأسواق، هذا حقي وحقكم فلا تتنازلوا عنه.. منذ اليوم ليطلق كل منا على هاتفه الاسم الذي يحبه لنفتح نافذة جديدة للأسماء تتجاوز أسماء السياسيين والسيارات والشياطين والأرانب وكل الذي لا يعنينا.. إنها النافذة التي ستعيد للهواتف النقالة بعض الخصوصية المفقودة!
– رنة هاتف:
طبعاً هذه التساؤلات أعلاه كانت في الماضي قبل الانفصال.. وقبل المستجدات الاقتصادية الطاحنة.. والمتغيرات الاجتماعية المهولة والتي للأسف عجزت عن الإتيان بأسماء للهواتف تواكب الأحداث الجارية خاصة بعد مجيء “الجلاكسي” بموديلاته المتعددة التي همشت الهواتف الأخرى بمسمياتها المدهشة!!.. ترى أين الآن الهواتف التي كانت تحمل تلك الأسماء العجيبة؟! هل خرجت من السوق أم ما زال البعض يحتفظ بها كجزء من تاريخ هذا البلد السياسي والاجتماعي.. الذي لم يكتب بعد!!