رأي

تجربتي مع المرض (1-2)

ما أن يسمع الناس من مرض أحدهم حتى يتساءلوا ماذا فعل هذا الإنسان حتى يستحق العقوبة الإلهية؟ ففي رأيهم أن الأمراض والمصائب تأتي كعقوبة للشخص المصاب.. عن نفسي أقول لم يكن في كل مسار حياتي أي شيء يسبب لي غضب الله، وهنا ما يعرفه عني كل من عرفني، فالجميع يعرف أنني لا أتناول الخمر ولا أدخن، وأصوم رمضان حتى لو كنت على سفر.. وهذا ما أدهش المضيفة في الطائرة السعودية التي حملتني من الرياض للخرطوم، وكنت أيضاً صائماً وأنا مسافر للشمالية والجميع يطلب مني الإفطار ولم تكن في حياتي أية فضائح أو شائعات.
وتجربة المرض من فوائدها أنها تريك المعدن الحقيقي لبعض الناس، فتعرف من هو الذهب الحقيقي ومن هو (الصفر).. لم يحدث أن أصبت بأي مرض حتى لحظة سقوطي.. وهذا ما حير أبنائي وحتى الأطباء، وجعل بعض أقربائي يؤكدون أن ما حدث لي هو نوع من السحر.. ومن مزايا المرض أنه يعيدك إلى فطرة الإيمان القوي بالله.
وسبق أن حكيت تجربتي مع العين، وفحواها أنني في أحد الأيام سقطت بطريقة غريبة بعد تحديق شاب وشابة، كنت حينها أعمل بصحيفة (ألوان)، إذ سقطت وكأن أحدهم حملني والقاني وهرع إليّ أحد العمال ليؤكد لي أن الشاب والفتاة (سحروني).. كان الشاب والشابة يقفان أمام مكتب الخطوط الجوية السعودية عندما كنت أتحرك من محطة البص إلى الصحيفة، ويبدو أنهما كانا في انتظار مواعيد فتح المكتب ليدخلا فقد كانت الساعة الثامنة صباحاً، وأخذا يحدقان بي بقوة ولم يحولا نظرهما عني، استمر التحديق من لحظة هبوطي من بص الحاج يوسف، وظلت أنظارهما مثبتة عليّ وأنا أسير أمام مكتب الخطوط السعودية وأمامهما، وكان أحد عمال النظافة يقوم بعمله في جمع القمامة أمام المكتب وكنت أعرف اسمه وأحرص على إلقاء التحية عليه كل صباح.
في اللحظة التي كنت فيها بمحاذاة الشاب والفتاة حدث أمر غريب إذ شعرت أن أحدهم يرفعني من قدمي ويخل بتوازني وفشلت كل محاولاتي للبقاء واقفاً وسقطت مثل طفل صغير يتعلم المشي على صدري ووجهي.. واندفع العامل نحوي يعينني على الوقوف لأنني لم استطع النهوض بسرعة، كان أمراً غريباً سقوطي بتلك الطريقة، والأغرب عدم قدرتي على النهوض السريع، كما أن طريقة السقوط نفسها كانت غريبة، وبعد أن نهضت قال العامل: (سحروك يا أستاذ) فقلت له ضاحكاً: (أنا فوقي شنو يسحروه) لكن العامل أصر أن الشاب والفتاة (سحروني) بعيونهما.. وأنا أؤمن أن العين يمكن أن تفعل بالإنسان الكثير أو صرت منذ ذلك اليوم أؤمن بها.. المهم مضيت في طريقي وواصلت عملي المعتاد، لكني بعد مرضي توقفت طويلاً أمام هذه الحادثة خاصة بعد أن أكد لي أحد رجال الدين أنني يمكن أن أكون قد (سُحرت).
نأتي إلى قصة مرضي الذي لم يعرف الأطباء طبيعته، فقد كان مجموعة أمراض تطلبت علاجي منها كلها، ووصلت الأمور أحياناً أن أحد الأطباء أكد لأبنائي وبناتي أنني لن أعيش، وما زال هذا الطبيب في حيرة كيف خرجت من كل هذه الأمراض معافى، ولكنها إرادة الله تعالى.. بدأ مرضي الغريب بهجوم الحساسية على صدري، وشعرت بأني أختنق وأخذوني إلى مستشفى شرق النيل، وهناك لم يفعل الطبيب شيئاً سوى مطالبتي بأخذ صورة للصدر ليحدد المرض، وجيء له بالصورة لكنه أيضاً لم يفهم المرض، واضطررت للذهاب إلى طبيب آخر أكثر خبرة الذي حولني إلى مستشفى الشعب بالخرطوم، حيث احتجزوني للعلاج لمدة شهرين كاملين، وهناك تم إخراج أكثر من لتر ماء من رئتي، وفحص الماء للتأكد أنه ليس سرطاناً، وفجأة أصبت بالملاريا واحتاجوا إلى عدة فحوصات ليعرفوا أني مصاب بالملاريا ويعالجوني منها، وأيضاً اكتشفوا أني مصاب بحصوة في الكلى وعالجوني منها، وأخذت أتناول كميات كبيرة من الحبوب، وتؤخذ جميع أنواع الصور، وتجرى لي فحوصات كل يوم، بل كل ساعة، وانفق ابني كل ما لديه من مال واستدان أيضاً لكي يكمل علاجي ولا زال حتى الآن يسدد ديون علاجي، واستمر الوضع هكذا لمدة شهر كامل وأنا طريح سرير المرض بمستشفي الشعب.
تقول ابنتي “فاطمة” إن كل من كان حولي في غرفة العناية رحل عن هذه الدنيا، وكل من حولي توقع رحيلي لكني بعد مرور شهر أظهرت تحسناً سريعاً ومضيت في طريق الشفاء.. ورأوا أنني يمكن أن أغادر المستشفى وأواصل علاجي في المنزل.. وقد بلغت تمام العافية خلال شهر بحمد الله.
وكانت تجربة المرض اختباراً لكثيرين على رأسهم ابنتي “فاطمة” التي كانت هي الوحيدة التي لم تفقد الأمل في شفائي، وتحركت في كل الاتجاهات، تجري الفحوصات وتأخذ الصور وتحافظ على مواعيد الأدوية، فكان لها بعد الله الفضل في هذا الشفاء.. ولا أنسى أن أتوجه بالشكر للفريق “محمد عطا” وللزميل “مصطفى أبو العزائم”.. والشكر للدكتور “حسن الصادق” فهو الوحيد الذي عرف أنني مصاب بالملاريا، والدكتور “أحمد بابكر” ونائبه “عوض” الذي اجتهد في إحضار اختصاصيين في جميع التخصصات وعرض عليهم حالتي.. ولا أنسى السسترات بمستشفى الشعب “إسراء” و”خالدة”.. كما لا أنسى شكر د. “فيصل خيري” بعيادة (الرحمة) بالحاج يوسف، وابنة أختي اختصاصي القلب والصدر “ندى محمد حسين”، ودكتور “مجدي جميل”، والأخ “عبد العظيم صالح” مدير تحرير صحيفة (آخر لحظة)، و”رمضان محجوب” و”عبد الله خوجلي” و”حافظ الخير”، فقد كان لوقفتهم دور كبير في رفع معنوياتي، وكثيرين وأستطيع حصرهم.. فالمعذرة إذا نسيت اسماً.
} حكمة اليوم
جزى الله المصائب عني كل خير
فقد عرفت بها عدوي من صديقي

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية