كنا بالمنتدى العائلي
أمس الأول كنا حضوراً لجلسة استماع موسيقية غنائية بالنادي العائلي بالخرطوم، ونجم الأمسية كان الفنان الشاب “معتز صباحي”.. الأمسية استمرت إلى أكثر من ساعتين.. الفقرة الرئيسية كانت لنجم الحفل وبعض فقرات شارك فيها الشاعر “الفاتح حمدتو” و”إسماعيل الإعيسر” وكلاهما تعاون مع الفنان “معتز” وشخصي.. ليلتها أبدع نجم الحفل وتجاوب جمهور الشباب المحتشد وقوفاً وترديداً لمقاطع الغناء، والملاحظ أن جمهور الراحل “محمود عبد العزيز” كان الأكثر من حيث العدد إذ ظهر انفعاله وتجاوبه بعد أداء “معتز” لأغنية من أغنيات الراحل “محمود”، وأجزم أن من حضر ذهب إلى منزله مسروراً، وهذا ما تفعله الثقافة في الناس، فهي تحدث هزة الفرح وتعبئ الوجدان بشحنات من الجمال تنسكب في النفس البشرية ضياءً وفرحاً وبشرى.. في تلك الليلة حينما أتيحت لي فرصة الحديث وجهت رسالة إلى الابن الفنان “معتز”، وأود تعميمها على كل الشباب الذي يحترف الغناء أمام الجمهور.. أقول لهم.. أنتم تقودون الجماهير وتسعدونهم ويذهبون إليكم أينما حللتم، فلا تقدموا لهم إلا الجميل من فن، وكونوا رموزاً لأقرانكم من الشباب، فهم يتأسون بكم ويقلدونكم في المظهر والجوهر، فالأمر ليس ترويحاً أو ترفيهاً أو ضحكاً وتزجية وقت لملء فراغ، بل هو أمر أكبر وأخطر من ذلك، فأنتم تعمرون الدواخل بتسخيركم لمواهبكم، لذا لا أجد عذراً لفنان منكم يرتدي زياً غريباً عن ما هو متعارف عليه وفق أعراف وتقاليد المجتمع، ولا عذر لمن يرتدي زياً شاهده عبر فضائية لفنان أجنبي من فناني الغرب، يومها سيقلدكم المعجبون بفنكم من الشباب، ودون أن ندري سنجد أبناءنا يرتدون زياً ما عرفه أهل السودان.. رحم الله الرعيل الأول من الفنانين، فقد كانوا مثالاً لأناقة الملبس والمظهر.. وقبل أن تقدم غناءك للجمهور تأمل في معاني كلمات أغانيك.. ابتعد عن سقط القول وفاحشه، واقترب من معاني الخير والحب والجمال.. عندها ستكون رسول محبة وسلام.
المنتدى العائلي تديره كوكبة من المشغولين بالهمّ الثقافي، تعكف على إعداد أمسيات وبرامج المنتدى، وفي ذلك خير عميم لمحبي المنتديات الثقافية ومرتادي تلك المنتديات.. والمنتدى العائلي عائلي بحق، فمعظم رواده من الأسر التي تسكن في منطقة الخرطوم شرق والخرطوم(2)، وهناك من يأتي من أطراف العاصمة برغم أن بعضهم لا يمتلك وسيلة مواصلات، وهذا يؤكد جدوى ونفع المنتديات.. وحديثي هذا ليس قاصراً على المنتدى العائلي، فهنالك منتديات أخرى كمنتدى (راشد دياب) ومنتدى (دار فلاح لتطوير الأغنية)، وهذا قد امتد نشاطه لعقود من الزمان ينادي العمال بأم درمان ناحية الملازمين، ومؤخراً بمسرح شباب أم درمان الذي يستضيف المنتدى أسبوعياً، وذلك أمر مؤقت إلى حين قيام (دار فلاح) التي تحتاج منا جميعاً إلى دعم ومساعدة رسمية وشعبية، ومنتدى (أروقة) أو بالأحرى منتديات (منظمة أروقة) العظيمة ومنتديات أخرى تهتم بنواحي دور الثقافة والرياضة، وكلما سمعت بافتتاح منتدى سارعت مشاركاً أو مستمعاً.. والشكر أجزله لشركات الاتصال لرعايتها المادية للعديد من المنتديات، وبعض رجال المال وشركات القطاع الخاص، وجميل جداً أن تسجل وتبث الفضائيات فعاليات تلك المنتديات.. المأخذ الوحيد أنها لا تمنح مكافآت للمؤلفين والموسيقيين والمغنين والشعراء، والأمر يحتاج إلى ترتيب أوضاع أصحاب الحقوق الذين يقدمون ثمرات مواهبهم للجمهور، إذ لا يعقل أن لا يعطى منظمو تلك المنتديات مقابلاً مادياً ولا تعطى الفضائيات أيضاً مقابلاً، والمبدعون يخجلون ويستحون من المطالبة بحقوقهم، وكذلك لا يذهبون للمحاكم للتقاضي، وأضرب لذلك مثلاً خاصاً بي، إذ كثيراً ما تتم دعوتي عبر منابر ثقافية كثيرة فأعد مفتخر الثياب التي امتلكها، وهي ليست مفتخرة ولا يحزنون، وأغسل عربتي العتيقة وأعبئها بما تيسر من وقود (البقى غالي)، وهناك أقضي ساعات لأعود في الساعات الأولى من الصباح ولا أملك حق كيلو باسطة لناس البيت الذين يهمهمون (والله ما عندك شغلة!! شن الفايدة؟!) قلنا كتر خير ناس المنتدى وهم يتكفلون بنفقات الكهرباء وتهيئة المكان ومكبر الصوت.. وتحت تحت بيدوا الفنانين والعازفين حاجة، لكن وا حسرتاه على الشعراء ولا تعريفة.
في ذات المنتدى الذي بدأت به هذا الحديث، لم أكن أحد المتحدثين لكن كان صديقي الشاعر “إسماعيل الإعيسر” متحدثاً وكنا معاً في اجتماع خاص بتدشين ديوانه الجديد.. ولم يكن لديه وسيلة ترحيل.. طبعاً صاحبي ومجبور عليه.. دورنا العربية.. ورحبوا بنا وطوالي ختوني في البرنامج وتحدث “أعيسر” وتحدثت.. طيب يا جماعة الخير!! خلوني أنا ما دعيتوني، جيت مع صاحبي المدعو، أقلو كان تدوه حق الترحيل لو ما في مكافأة.. والحق يقال إن الجمهور المحب للثقافة السوداني يقدر المبدع ويحتفي به أيما احتفاء، لكن منظمي المنتديات معظمهم لا يحتفي بالمبدع خاصة فيما يتعلق بمكافآته.. زمان!! الله يرحم أستاذي “محمد بشير عتيق” زرته يوم جمعة وجدته يرتب عشرات الوشاحات والشهادات التقديرية ملأت كراتين.. (شوف يا التجاني ولدي الدلاقين والخشب والقزاز!! لو أدوني ثمن صناعتهم كنت مبسوط).. ما بطال الوشاح أو الشهادة التقديرية للمبدع، لكن لا تثريب على من يدعو المبدع في عطية مالية زهيدة.. صديقي وأستاذي الشاعر الكبير “مصطفى سند”– له الرحمة- كان يحرضنا أن لا نقرأ أشعارنا في منابر عامة دون مقابل.. والفكرة هي أن لا نبخس قدرنا وعطاءنا.. اشمعنى الفنان وفرقتو الموسيقية يتقاضون مقابلاً مادياً وأجرة عربة الترحيل والشاعر صاحب الجلد والرأس لا يأخذ إلا الدلاقين والبراويز؟!
أستاذي “عتيق”– له الرحمة- له مقولة شهيرة في هذه المسألة حينما يسمع مغنياً (يلعلع) بأغانيه ينقلها مكبر الصوت يقول (يا تجاني نحن أحياء وغيرنا الوارث.. هسع الفنان ده يتعشى ويدوهو قروش والألف الأشعار اسمو ما يقولوا في المايكروفون).
وبرغم كل ذلك، المنتديات فعل ثقافي إيجابي ومطلوب جداً.. غير أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر تكفل لتلك المنتديات الثقافية استمرارها وتجويد عطائها.. طبعاً في ناس وناسات بيحضروا تلك المنتديات.. لكن المنتدى في وادٍ وهم في وادٍ.. سيبك منهم!!