انشقاق المؤتمر الوطني!!
لا حديث للمجالس سوى عن الصراع داخل المؤتمر الوطني، الذي برز إلى السطح مع تقديم المذكرة المطالبة بالتراجع عن زيادة الأسعار الأخيرة.. البعض يؤكد أن هذا الصراع بين الفريقين يضعف الحزب الحاكم، فالناس في السودان اعتادت أن أي مجموعة تختلف مع رئاسة الحزب في أية مسألة تشرع فوراً في إنشاء حزب آخر بعد أن تضيف إلى تسميته كلمة تظهر أنهم اختلفوا مع قيادة الحزب.. اعتاد الناس هذا السلوك في أحزاب المعارضة، ولهذا تجد أكثر من حزب أمة وأكثر من حزب اتحادي ديمقراطي، حتى الحركات المسلحة حدثت فيها انشقاقات، وكل فريق يتهم الآخر بخيانة القضية، ويزعم أنه وحده على حق.
هذه المرة الأولى التي يحدث فيها انشقاق في الحزب الحاكم بعد الانشقاق السابق، الذي أفرز حزباً آخر هو المؤتمر الشعبي بقيادة “الترابي”.
والجديد أيضاً في هذا الانشقاق أن من قاموا به لم يعلنوا خروجهم على الحزب أو يسرعون في تكوين كيان مستقل.. وهذا يؤكد حرصهم على أن يكون رأيهم مسموعاً ولا يطلبون شيئاً آخر.
يلاحظ أن المجموعة التي قادت عملية انتقاد الزيادات لا يشك في عمق انتمائها للمؤتمر الوطني وإخلاصها له، ولا يعرف لماذا اختاروا هذا الأسلوب.. هل طرحوا آراءهم داخل جلسات الحزب ولكن لم يستمع لهم؟! هل لهم مطالب أخرى غير التي يعرفها الناس، أقصد مطالب سياسية أو تنظيمية؟! وهل صحيح أنهم يحاولون الحصول على مواقع وزارية ولم يجدوا وسيلة أخرى لإيصال صوتهم سوى إعلان التمرد؟!
ربما يظن كثيرون أن هذا الانشقاق يضعف الحزب الحاكم لأنه أظهر الخلافات في الهواء.. وأختلف مع من يظنون ذلك، والذي سببه أن الناس اعتادوا أن من يتمرد على الحزب لا يفكر في العودة إليه، بل يشرع في تكوين حزب آخر حتى لو كانت مجموعته تتكون من عشرة أشخاص فقط، فعدد المنشقين لا يهم، لأن الحكومة ستسعى إليهم وتسترضيهم بالمناصب، وهي تعرف أنهم مجموعة صغيرة.. هذا أمر جربناه في عدة انشقاقات سابقة.
لو عرفت قيادة المؤتمر الوطني كيف تتعامل مع هذا الانشقاق، فإنه سيكون عامل تقوية للحزب وليس العكس.. فنحن اعتدنا في الدول العريقة في الديمقراطية أن يستمر الأعضاء المتمردون في الحزب.. ويواصلون انتقاداتهم لقيادتهم دون أن يحدث لهم شيء.. ودون أن يتخذ ضدهم إجراء.
أرى في هذا الصراع تمريناً على الديمقراطية، وتمريناً لنا على سماع عدة آراء في قضية واحدة دون أن نتوقع ظهور حزب آخر يخرج من جوف المؤتمر الوطني.
هذا الخلاف بين أعضاء المؤتمر الوطني لم يكن على المبادئ، وهذا أمر إيجابي ويؤكد أن الفريقين يتمسكان بالمبادئ، وهو خلاف على قضية طارئة، وكان بالإمكان ألا يخرج إلى الصحف وأجهزة الإعلام لو كانت هناك آلية في المؤتمر الوطني تتيح فرصة الخلاف حول القضايا الطارئة، فهذا الخلاف يؤكد أن الحزب يقبل أكثر من وجهة نظر في القضايا التي لا تمس المبادئ، وتمسك كل أعضاء الحزب بالمبادئ يؤكد قوة إيمانهم بها، وإنهم لا يرون أن هناك مبادئ أخرى تمثل بديلاً، وهذه أفضل دعاية لمبادئ الحزب، وهذا أمر يفيد الحزب مستقبلاً.
{ سؤال غير خبيث
كم عدد الأحزاب التي انشقت على الأمة والاتحادي الديمقراطي؟ وما هو موقعها؟!