تحقيقات

مخالفات الشركات.. فساد مالي أم إداري؟

ربما هي جدلية تتأرجح الحقيقة مابينها، إلا أن واقع الحال ظل يؤكد أن هناك (177) شركة تم شطبها من المسجل التجاري لارتكابها مخالفات، وإن كانت هذه المخالفات ليست هي الأولى من نوعها في تاريخ مخالفات الشركات على وجه العموم بل تعدتها إلى مخالفات عدة، ففي عام 2009م أسفرت الحملة التي نظمتها إدارة السجلات التجارية بالمسجل التجاري عن ضبط (432) شركة منها (184) لا وجود لها على أرض الواقع، بالإضافة إلى (683) من أسماء الأعمال منها (250) غير مسجلة نهائياً، فيما تم ضبط (4) توكيلات تجارية منها ثلاثة غير مسجلة!!! وها هي وزارة العدل تعلن هذه المرة عبر مسجلها التجاري عن حذف الشركات آنفة الذكر من سجلاتها والتي هي في الأصل (183) شركة جميعها تساهم فيها أجهزة الدولة، خمس منها قامت بتوفيق أوضاعها وعادت إلى سوق العمل والأخريات عجزن رغم إمهالهن ثلاثة أشهر… تكهنات عدة صاحبت هذا الشطب وتساؤلات ملحة عن مصير الهيكل الوظيفي لهذه الشركات والحقيقة التي تؤكدها الدولة ممثلة في رئيس لجنة التشريع والعدل في البرلمان هي أن هذا الشطب ما هو إلا إنفاذاً لسياسة الدولة للخروج من منافسة العمل التجاري، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص من خلال قرار تمت إجازته في البرلمان عام 2011م هو حديث باطنه يحمل عدداً من التساؤلات وهي لماذا أرادت الدولة الخروج بهذه الشركات من سوق العمل تحت بند المخالفات؟ ما هي المخالفات التي أدت إلى هذا الشطب؟ أليس الأمر برمته يدل على أن المسجل التجاري بحاجة إلى المزيد من الانضباط في عمله تجاه جميع الشركات ويتوجب عليه تنفيذ المزيد من الحملات التفتيشية التي هي بمثابة التيرمومتر لقياس درجة المخالفات؟
سلفان مخالفات…
رغم أن القراءة القانونية لمولانا “الفاضل حاج سليمان” رئيس لجنة التشريع والعدل بالبرلمان، في حديثه لـ(المجهر) أكد أن شطب سجل الشركات ليس إلا تبني الدولة لسياسة التحرير الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص في العمل التجاري، إلا أننا نجد أن هناك حلقة فُقدت وسط ركام هذه الشركات المخالفة.. فالمسجل التجاري العام مولانا “هند محمد عبد الرحمن الخانجي” أكدت لـ(المجهر) في حديث مقتضب يشوبه الحذر خلال تعميم صحفي نشرته جميع الصحف يقضي بشطب تلك الشركات نهائياً من السجل التجاري بعد إنقضاء مهلة الشهرين التي مُنحت لها لتوفيق أوضاعها، مشيرة إلى أنها استندت على إعلان سبق وأن نُشر عبر الصحف بتاريخ 1/7/ 2013م، يقضي بحذف الشركات التي تساهم فيها بعض أجهزة الدولة وفقاً للسلطة المخولة للمسجل التجاري، بموجب أحكام المادة (238) الفقرات (1/3/5) من قانون الشركات لسنة 1925م، مضيفة أن الشركات الحكومية لا تعامل معاملة استثنائية تميزها عن الخاصة، بل إنها تعامل ضمن لوائح وقوانين صارمة.
ومع فرضية استبعاد تغليف الدولة لقرار تصفية الشركات بـ(سلوفان المخالفات) يتبادر إلى أذهان الكثيرين سؤال مفاده ما هو السبب الذي يجعل الشركات الخاصة أكثر نجاحاً من نظيرتها الحكومية رغم أن الاثنتين تعاملان سيان دون استثناء؟ هذا التساؤل بحسب المستشار القانوني “حازم عوض الكريم” تكمن إجابته في أن الشركات الحكومية تحديداً لا تهتم بتوريد إيداعاتها السنوية والأمر برمته يعود إلى ضعف الخدمة المدنية والترهل الكبير في القطاع العام عكس القطاع الخاص الذي يحرص على المتابعة، وفي الوقت ذاته يتساءل عن تطبيق القانون حيث أن هناك بعض الشركات الحكومية التي لها عمل استراتيجي ولم يشملها الشطب، وأن استمرار عملها ينبع من السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وذلك حسب إفادة المسجل التجاري، ويضيف: إما أن تكون شركات استوفت شروط عدم الشطب أو لم تستوفها، أي أن المسجل التجاري يجب أن لا يستثني شركات من تطبيق القانون ولو كانت إستراتيجية… فالشركات الإستراتيجية على حد قوله أولى من غيرها بالالتزام بضوابط المسجل التجاري الذي يلقي المستشار “حازم” عليه باللائمة، مؤكداً أنه إذا تعامل بصورة قانونية صارمة وبدون تجاوزات لتم شطب (50%) من الشركات المسجلة لديه، وأرجع ذلك التهاون لمصلحة السجل التجاري لتسجيل أكبر عدد من الشركات لإضافة دخل له من خلال فرض الغرامات وتجديد الإيداعات.
ثغرة إجرائية…
إن خروج الشركات الحكومية من العمل التجاري وتصفيتها أمر قد لا يلقي بظلاله إلا على العاملين بتلك الشركات خاصة وأن الدولة بحكم أنها صاحبة السلطة وهي التي تتخذ القرارات فإن لها نصيبها من أي نشاط تجاري تمارسه شركات أو أفراد، وهذا النصيب على حد تعبير رئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان يتمثل في الضرائب أيا كان نوعها، ولذلك ليس هناك داعٍ للدخول في النشاط التجاري طالما أن العائد المادي تتحصل عليه الدولة من شركات القطاع الخاص.. ولكن ما يراه “الفاضل حاج سليمان” في شطب الشركات المخالفة وهي أنها إنفاذ لسياسة التحرير الاقتصادي التي تبنتها الدولة، ما هو في نظر المستشار “حازم عوض الكريم” إلا ثغرة إجرائية استغلتها الدولة للتخلص من الشركات الحكومية بضوابط من المسجل التجاري مع الحفاظ على بعض الشركات وتوفيق أوضاعها حرصاً من الدولة على استمراريتها لنجاحها وجدواها الاقتصادية!!
عديدون ذهبوا إلى أن شطب هذه الشركات جاء تحت مظلة شبهة الفساد المالي أو الإداري، الأمر الذي نفاه “الفاضل حاج سليمان”، فيما أكدت المسجل التجاري “هند الخانجي” أن الشطب لم يكن إلا لارتكاب مخالفات تتعلق بعدم مزاولة هذه الشركات لنشاطها التجاري وانقطاعها عن العمل، كما أنه ليس لديها مقر ثابت ولم تكمل ملفها لدى المسجل التجاري منذ تأسيسها، وكشفت “الخانجي” عن أن هناك عدد (43,758) شركة مسجلة في السودان منها شركات ملتزمة بتطبيق القانون ومكملة لإيداعاتها السنوية، مشيرة إلى أن هناك شركات مسجلة منذ عام (1928م) وما زالت تكمل إيداعاتها حتى عام (2013م) نافية وجود ما يسمى بالشركات الوهمية، يوافقها في الرأي الخبير والمحلل الاقتصادي “د. محمد الناير” الذي أكد لـ(المجهر) أن هناك العديد من الشركات الاتحادية والولائية التي لا وجود لها على أرض الواقع، رافضاً إدراجها تحت مسمى الشركات الوهمية، مؤكداً أنها شركات لا تواظب على ممارسة نشاطها، مشيراً إلى أن هذا الأمر قد يحرم شخصاً آخر يريد تسجيل شركة جديدة تحمل اسم شركة أخرى لا تزاول نشاطها ومحتفظة باسمها بلا جدوى، ودعا “الناير” إلى المزيد من الضوابط الصارمة والمراجعات الدورية، مؤكداً أن هناك تساهلاً في تسجيل الشركات.
وعن الأضرار الاقتصادية التي يمكن أن تصاحب شطب هذا العدد من الشركات، أكد أن الأمر ليست له أضرار اقتصادية بقدر ما أنه يعود بالمنفعة على الاقتصاد السوداني، داعياً إلى المزيد من الشطب للشركات التي لا تزاول عملها سواء أكانت حكومية أو شركات قطاع خاص.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية