حوارات

القيادي الإسلامي والخبير في قضايا القرن الأفريقي البروفيسيور "حسن مكي" (1-2)

رغم التماسك الكبير الذي كان يبدو على الحركة الإسلامية منذ تسلّمها للسلطة بحكم التوافقات الجوهرية التي كانت تربط عضويتها، إلا أن هناك جملة من التباينات المبدئية بدأت تظهر في هذا الجسم، قادت من قبل إلى ظهور مجموعة (سائحون) والإصلاحيين بقيادة “غازي صلاح الدين”، وهناك مجموعات جديدة في الساحة، حسب بروف “حسن مكي” في طريقها للتكوين بعد أن تجاوزت مرحلة التبلور. واللافت هذه المرة أن المختلفين رأوا الاستنصار بالعامة بعد أن فشلوا في إقناع إخوانهم بعدالة طرحهم.. على المستوى الآخر، تلاحظ مؤخراً تعدد منابر الإسلاميين واختلاف رؤاهم .. (المجهر) حاولت تقديم رؤية علمية لما يدور داخل هذه المنابر وعلاقتها بما يحدث من تفاعلات في الساحة السياسية، فالتقت البروفيسور “حسن مكي” في حوار تناول أسباب الظاهرة وأبعادها المستقبلية.. فإلى التفاصيل وعلاقة ذلك بالحراك السياسي.

} أصبح بعض الإسلاميين يتحدثون هذه الأيام عن عدم وجود حركة إسلامية على خلفية ما حدث للإصلاحيين.. ألم يتم حل الحركة في أوائل التسعينيات.. نريد منك شهادة؟
– الحركة الإسلامية كانت تتكون من ثلاثة مكونات، واجهة تسمى الجبهة الإسلامية القومية، وحركة داخلية تسمى الحركة الإسلامية، والحركة الإسلامية نفسها كانت تتكون من مكونين، مكون علني معروف للأعضاء يتكون من مجلس الشورى والمكتب التنفيذي والأمين العام، ومكون داخلي يتكون من النظام الخاص.
} قيل.. مع بداية الإنقاذ تم حل هذه الأجهزة؟
– مع بداية الإنقاذ تم حل المكونين الأولين.. الجبهة الإسلامية القومية تم حلها، وتم كذلك حل مجلس شوراها توطئة لقيام مجلس شورى موسع وجاء يعرف باسم المؤتمر الوطني.. والحركة الإسلامية تم حل مجلس شوراها ليذوب في التأسيس للحزب الجديد الذي كان في ذهن “الترابي”، بأن يصبح حزباً سياسياً يتم بناؤه في ظل غياب الأحزاب الأخرى، ويخوض به الانتخابات ويحقق به الأغلبية النيابية، ويؤسس للمشروعية المدنية.
} الجزء الثاني ظل موجوداً؟
– الجزء الثاني لم يتم حله أصلاً، وهو الكيان الخاص أو النظام الخاص ويمثل المجموعة التي تشرف وتسهر على الأمن، وجهاز القوات المسلحة، والأجهزة العسكرية والأمنية الأخرى، وإذا كان دور الجهة الإسلامية أو الحركة الإسلامية التبشير بالحكم الإسلامي والتمهيد للانقلاب وتهيئة القواعد الجماهيرية لذلك، كما حدث في الانتخابات التي نالت فيها الجبهة الإسلامية (51) مقعداً، فإن النظام الخاص أو التكوين الخاص كانت مهمته إعداد الشوكة.
} هل قام بهذا الدور؟
– بالفعل قام بدور كبير في مساندة القوات المسلحة، وكان الصلة بين القوات المسلحة والقيادة التنفيذية للحركة الإسلامية، فهذا لم يتم حله وظل موجوداً وعاملاً.
} بذات الفعالية؟
– قد تكون تمت تعديلات، وقيادات هذا النظام فيما بعد بعضها أُريد التقليل من شأنهم، فأسندت إليهم وزارات سيادية، وبعضهم عمل في الدفاع الشعبي وغيره من المؤسسات.
} هل حل الحركة الإسلامية في ذلك الوقت حظي بإجماع؟
– هذا كان اجتهاداً من اجتهادات “الترابي” واستطاع أن يبيعه للمؤسسات، وطبعاً تقبلته طواعية واختياراً.
} تقبلته كل العضوية؟
– كان هناك (ناس رافضين) أنا كنت ضمنهم.
} ولهذا السبب ظل الكيان الخاص قابضاً على السلطة؟
– أيوه.. أصبح قابضاً على السلطة، وأصبحت السلطة في يد الأمين العام يمارس بعضها مباشرة وبعضها عن طريق الجهاز الخاص. والمشكلة أن الحركات الإسلامية فيها الظاهر والباطن والتدابير السرية، والفكرة كانت أن هناك قوى خارجية تقف ضدها ولابد أن تحمي ناسها ومصادر أموالها وأصولها، ولا تكشف ذلك حتى لأعضاء مجلس الشورى، لأنه قد يتغير أو يغيروا ولاءهم، وقد يكونون مخترقين.. كذلك كان الحال بالنسبة للذين يمولونها، لأن الممولين أيضاً يخافون من دولهم ويخافون على مصالحهم من التقلبات السياسية، لذلك كان النظام الخاص لا يمتد فقط إلى الأجهزة العسكرية وإنما يشمل الأصول المالية إلى يومنا هذا، وربما يتحدث مجلس الشورى وفق محددات معينة لكن تظل سلطة الباطن في يد الأمين العام للحركة الإسلامية أو من يثق فيهم.
} لكن قيل إن الكيان الخاص كوّن بعد المفاصلة وحدثت صراعات في انتخابات الأمين العام؟
– هذا بعد المفاصلة طبعاً نتيجة لمغالاة وضغوط من هنا وهناك، كان بعضهم ضد الحركة الإسلامية وغير مؤمن بها، والغريب أن من كان ضدها ويعتقد أن هذه ازدواجية، أصبح رئيساً لمجلس شوراها.. الإسلاميون عندهم تقلبات.
} قلت لإحدى الصحف إنك لا تنتمي للحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني.. فمنذ متى حصلت المفاصلة بينك وهذه الأجهزة؟
– إذا قلت إنني أنتمي لهذه الأجهزة أكون كذبت على نفسي وعلى غيري وأحمل غيري ما لا يجب أن أحمله له. والإسلاميون للأسف الشديد الصدق لا يريحهم، لكن حقيقة من الناحية العملية والجوهرية أنا لست موجوداً في هذه التنظيمات.
} ألم تكن عضواً في مجلس الشورى؟
– كنت عضواً في هذا المجلس، لكن منذ حل التنظيم أصبحت تائهاً إلى أن قام مجلس شورى المؤتمر الوطني بطريقة سرية، ودخلت في بعض مراحله وكان يقوم على البيعة وأنا رفضت تأدية البيعة.
} وابتعدت؟
– كنت حريصاً على أن أكون قريباً من المؤسسات، فقد كان لديّ وهم بأنني معني بملف الحركة الإسلامية، لذلك ينبغي أن أكون قريباً حتى إذا أردت تجديد كتبي تكون المعلومات متيسرة بالنسبة لي، لكن بعد فترة شعرت أن هذا الأمر غير ذي جدوى، لذلك ما عدت موجوداً في أية مؤسسة من هذه المؤسسات، لا مؤسسات المؤتمر الوطني ولا الحركة الإسلامية.
} بعيد كذلك عن منهجها؟
– أبداً.. هذا لا يعني أنني انقطعت فكرياً ووجدانياً.. ما زلت متشرباً بالأفكار التي قامت عليها الحركات والجماعات الإسلامية، لكن لا أعتقد أنني عضو بمعنى العضو، الذي يدفع الاشتراكات ويلتزم بالقرارات التنظيمية ويحضر الاجتماعات.
} هذا يعني أنك غير محسوب على عضوية الحركة الإسلامية؟
– نعم.. أنا الآن لست محسوباً عليهم، لكن الترمومتر الموجود في ذهني ما زال عاملاً أقيم به الأشياء وأرصد وأتابع.
} متى شعرت بإحساس الغربة؟
– منذ العام 1994م شعرت بالغربة، وأنني بعيد عن الحركة الإسلامية، فبعد أن أصبحت صاحبة الدولة والصولة والجولة أخذت تنحى منحى الجمعيات السرية.
} كيف؟
– أصبحت تدير الدولة بطريقة سرية، وتختار للمناصب بمعايير لم أكن موافقاً عليها، ولم أكن أنا وحدي الراغب في الانسحاب، لكن القائمين على الأمر أنفسهم يشعرون بأن المرحلة ليست مرحلتي.
} كيف فسرت شعورهم حينها؟
– ربما لأن لديّ استقلالية في القرار والتفكير والرؤية، لذلك أحسوا أنهم لا يصلحون لي، وأنا كذلك شعرت أنني لا أصلح لهم.
} إذا كنت مختلفاً منذ تلك الفترة لماذا لم تخرج مع مجموعة المفاصلة؟
– أية مفاصلة؟
} مفاصلة مجموعة “الترابي”؟
– بالعكس أنا أول من تمرد على “الترابي” منذ 1994م.. كان ينبغي أن أكون مع تيار الدولة، لكني تحفظت.
} لماذا تحفظت؟
– شعرت أن مسألة البيعة والولاء ليست لنيل وظيفة أو حظوظ سياسية، وإنما المسالة أهم من ذلك بكثير، فتكامل الشخصية ووضعيتها والحفاظ على هيبتها ومكانتها وسلامة الموقف مع الله تعالى أهم من ذلك بكثير.
} على أية خلفية تتحدث؟
– أنا صدمت لما حدث في اجتماع مجلس الشورى.. الناس قد يعتقدون أن هذا ربما يعود لقرابتي بـ”غازي” بحكم النسب، لكن حقيقة ما حدث جعلني أشعر بأن المياه لم تتغير.
} (شنو) الذي لم يتغير؟
– يعني أعضاء في الحركة الإسلامية تمت دعوتهم لاجتماع مجلس الشورى، يتم حجبهم من قبل جهة في الأمانة العامة عن حضوره.
} أليس من حقها؟
– مجلس الشورى منتخب من المؤتمر العام الذي يمثل الإرادة الكلية للحركة الإسلامية، والعضو المنتخب في مجلس الشورى وضعيته وقوته تعادل قوة الأمين العام وأعضاء الأمانة العامة، بل أحياناً يفوقهم في القوة.
} من أين يستمدها؟
– باعتباره منتخباً من الكلية الانتخابية، فهو أهم من المكمل.. الأمانة العامة الآن فيها أشخاص مكملون سقطوا في انتخابات مجلس الشورى، وجاءوا يقولون إن إخوانهم يريدون تكوين حزب جديد، أو تآمروا، أو شقوا الصف.
} ألم تكن المحاسبة مسألة معروفة في نظم الحركة؟
– (طبعاً) إذا كانت هنالك شكوى فيمكن أن تدرج في اجتماع مجلس الشورى، لكن حسب أدبنا والعضو المشتكى منه يأتي كغيره من الأعضاء، حتى أيام كنا في مجلس شورى طلاب كان هذا هو التعامل المتبع، وإذا ثبت أن هنالك شكوى حقيقية وتُكون لجنة بعد أن تنظر في الشكوى وتقول مرافعتها أمام مجلس الشورى، يطلب من العضو الذي يكون موجوداً أن يقول رأيه في الشكوى، وبعدها يتم الجرح والتعديل للعضو إذا كان في وظيفة عامة مثلاً، وعندما ينتهي الموضوع يعود الشخص، وإذا كان هنالك قرار بالفصل يحال إلى المؤتمر العام، والعضو يمارس وظائفه إلى حين انعقاد المؤتمر العام.
} في أي سياق فهمت ما تم بشأن الإصلاحيين؟
– أعتقد أن هذه الضجة ليست متعلقة بحسن سير وسلوك أو بضبط لائحي.
} متعلقة بماذا أذن؟
– ببساطة متعلقة بصراع كلاسيكي حول هل سيمدد للرئيس أم سيخلفه شخص آخر؟؟ وفي الحالتين لا يريدون أن يواجهوا بضوضاء من قبل أي شخص.
} يعني أفضل لهم أن يكون هؤلاء بعيدين؟
– نعم.. أفضل أن يكونوا بعيدين وفي بعض النظم مثل هؤلاء تتم تصفيتهم، فهذا أهون.
} الخروج؟
– أيوه.. أهون يطلعوا بدل تحصل لهم حاجات، لكن البلد كلها ما فيها دستور، الشخص يضع يده على الكتاب ويقسم إنه يحمي الكتاب والدستور.. رغم ذلك هذا لا يعني شيئاً بالنسبة له وإلا انظري إلى الولاة المنتخبين كرئيس الجمهورية حسب الدستور، الآن يتم نقلهم من مكان إلى مكان، ويتم الاستغناء عن بعضهم.. وفي التعديلات القادمة مبشرون بذهاب مزيد من الولاة تحت ستار الاستقالة.. هكذا تخرج الأمور وتبقى تخريجاً في النهاية، لكن هي في الحقيقة تزيف للإرادة العامة.
} …………….؟
– الحركة الإسلامية كنز كبير، علمت الناس الصلاة والصوم والالتزام بالمبادئ العليا والتعليم، لكن السياسة دخلت بمفاهيم تزوير الانتخابات، وهذا تزيف للإرادة. وهذا أصبح جزءاً ممارساً الآن على أنه عبادة، والبعض يتقربون إلى الله بتزييف إرادة الناس، وبعد واحدة من الانتخابات المزورة طلب أحدهم من الناس أداء صلاة الشكر، بعضهم قال (يا أخوانا كذبنا على الناس كمان نكذب على الله؟!).
} تقصد الانتخابات الأخيرة؟
– أنا لم أحدد شيئاً.. أترك التحليل لفطنة القارئ.
} إذن الحركة الإسلامية بمبادئها المعروفة للناس أصبحت خارج سياق الدولة؟
– الوضع كله أصبح خارج سياق السيطرة، لأن واحدة من مشاكل هذا الوضع أنه وضع كل السلطات في يد الرئيس، فهو رئيس المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، ورئيس الجمهورية، وقائد الجيش، وراعي التعليم العالي، والذين يديرون الدولة نيابة عنه يعرفون أن زمن الرئيس (24) ساعة كبقية الناس يسافر فيها ويمرض وينام ويذهب للمناسبات الاجتماعية، ويمكن لكثير من الناس أن يديروا الدولة نتيجة لشخصنة الدولة والحزب والحكومة والمؤسسات في شخص واحد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية