حوارات

رئيس لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني "الفاضل حاج سليمان" لـ(المجهر) (2 – 2)

جدل كثيف لا ينتهي، يتجدد متزامناً مع كثير من الأحداث المتعلقة بكثير من القوانين والتشريعات التي تحكم الحياة الاجتماعية والسياسية في الوقت الحالي.. ولعل من أكثر القضايا المزمنة والملحة في الوقت الحالي قضية وضع الدستور الدائم للبلاد، وكيفية اشتراك ومساهمة القوى السياسية في وضع الملامح العامة للدستور الذي يحكم الحياة السياسية في البلاد، بالإضافة إلى أن ثمة قوانين أخرى يثار حولها جدل كثيف للغاية، منها قانون الطوارئ وقانون النظام العام والقوانين التي تهتم بالشأن العام والخاص.
(المجهر) جلست إلى الأستاذ والقانوني “الفاضل حاج سليمان” رئيس لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني وأدارت معه حواراً حول التشريعات والقوانين التي تحكم سير الحياة بالبلاد إجمالاً.. عضد “سليمان” على بعضها، واقترح تعديلاً على البعض الآخر، وتكفل بشرح كثير من المواد الغائبة عن الأذهان.. فإلى مضابط الحوار:

} هل تعتقد أن ثمة تجاوزات حدثت لقانون النظام العام من بعض منسوبيه؟
– تحدث تجاوزات لا أنكر ذلك.. توجد خروقات تحدث للقانون بعدم التقيد بالإجراءات التي ينبغي أن تتخذ وفقاً للقانون.
} إذن ما هي الأشياء التي ترى أنها تحتاج إلى مراجعة في قانون النظام العام؟
– القانون لأنه قانون ولائي أنا ليس لدي إلمام كثير بنصوصه، لكن الإجراءات المتعلقة بحالات التعقب والدخول إلى الأماكن وتفتيش المنازل ينبغي أن تراعى فيها سلامة الإجراء.. والنص القانوني فيها يكون واضح جداً وأنت لا تستطيع أن تدخل إلى منزل آخر إلا في حالة أن تكون ملاحقاً أو مطارداً لجريمة وقعت وملاحقاً المتهم أو المتهمين ودخلوا في مكان حتى لا يفلتوا من القبض عليهم، في هذه الحالة يمكنك الدخول إلى المكان الذي دخلوا فيه.. لكن إذا عندك معلومة أن (البيت الفلاني) فيه مخالفة أو فيه عمل مخالف للقانون والبيت ده بيت عائلة أو أسرة ينبغي أن تتبع الأسلوب الصحيح والسليم في الدخول إلى هذا البيت باستئذان صاحبه.
} وماذا عن الأشياء المتعلقة بالزي وتفتيش المتعلقات الشخصية مثل المحمول؟
– أي إجراء تفتيش ينبغي أن يكون وفقاً للإجراءات القانونية، يعني إذا هناك تهمة موجهة لك يجب عليك أن تعرف أولاً ما هي التهمة الموجهة إليك كمتهم.. وتفتيش الموقع والمنزل والزي والمتعلقات الشخصية، كله يجب أن يكون صادراً من إجراء قانوني صحيح من النيابة المختصة أو من السلطة القضائية.
} هل تعتقد أن الجهات تلتزم بهذا الجانب الآن؟
– أنا أقول إن أي إجراء مخالف للقانون هو إجراء باطل وليس صحيحاً، وعندما يصبح هناك نص قانوني يتحدث عن الإجراءات وعن التفتيش عن المواقع والمنازل واقتحام المنازل فهذا إجراء باطل وما نتج عنه أيضاً باطل.
} حتى لو تم القبض على مجرمين داخل الموقع وهم يمارسون جريمة معينة وكان الدخول إليه باطلاً هل تكون الإجراءات ضدهم أيضاً باطلة؟
– هناك أشياء تختلف، إذا كان هناك اتهام مثلاً بأن هذا البيت يمارس فيه لعب ميسر أو قمار وجاءت جهة واقتحمت المنزل بدون إجراءات قانونية صحيحة ووجدت أناساً في الداخل ولم يكونوا يشربون خمراً أو يلعبون قماراً.. أولاً الإجراء الأول باقتحام المنزل مخالف للقانون وهو باطل، وأية محاولة لإلباس تهمة لهؤلاء الناس بأنهم ما تجمعوا إلا لكي يلعبوا القمار أو أن يشربوا الخمر، ولم تجد أمامهم خمراً أو ألعاب قمار، فإن الإجراء بالدخول إلى المكان خطأ، وبالتالي توجيه أي اتهام لهم يبقى هو أيضاً خطأ وباطل.
} والاشتباه؟
– الاشتباه ليس تهمة.
} إذن هل القبض على الناس بغرض الاشتباه جزء من القانون؟
– القبض يجب أن يكون بموجب إجراء صادر من سلطة مختصة، والقبض ليس مطلقاً إلا في حالة شخص- زي ما بنقول في القانون- يقبض عليه متلبساً بالجريمة.. مثلاً الشرطة وجدت اتنين يتضاربوا في الشارع وواحد شايل سكينو عايز يضرب التاني، بموجب القانون الشرطة يمكن تقبض عليهم وتعمل إجراءات.. لكن إذا وصل إلى علم الشرطة أن (فلان الفلاني) قتل (فلان الفلاني) المفروض تستصدر أمراً للقبض على هذا الشخص من النيابة العامة وتأخذ أمر القبض وتبحث عن الشخص حتى يتم القبض عليه، إذا وجدته في مكان يعرض عليه أمر القبض سواء أكان جريمة شيك أو جريمة جنائية أخرى، وينبغي أن ينصاع لهذا الأمر وتسير الإجراءات القانونية إلى أن يُقرر في أمره سواء محاكمة أو غيرها.
} إذن ننتقل إلى محور آخر.. في الجلسات الأولى للبرلمان أثار النائبان “إسماعيل حسين” و”سامية هباني” قضية عدم مرور الإجراءات الاقتصادية على البرلمان وذكرا في حديثهما أنه كان ينبغي صدور مرسوم دستوري بهذه الزيادات حتى تأخذ الصفة الشرعية؟
– لقد رد عليهما رئيس المجلس بأن البرلمان سبق أن أجاز سياسات عامة فيما يلي رفع الدعم عن المحروقات في بداية أعمال المجلس.. والمجلس بموجب إجازة هذه السياسات فوض للجهاز التنفيذي أن يشرع في سياسات رفع الدعم عن المحروقات تدريجياً.. وما دام هذا الإجراء هو ضمن الإجراءات التدريجية فلا يحتاج أن يعرض على البرلمان ثانية، والمجلس الوطني وافق على ما قاله رئيس البرلمان ووافق على رفع الدعم عن المحروقات تدريجياً، ووافق على الصورة التي تمت بها من قبل الجهاز التنفيذي أو وزارة المالية.
} بذات المنطق.. هل سيتم تجاوز الإجراءات التي وعد بها وزير المالية في العام القادم وسيتم تجاوز المجلس الوطني أيضاً؟
– بالمفهوم ده يسري عليها ما سرى في السابق.
} إذن لن تعرض على البرلمان؟
– لن يناقشها.
} هل تعتقد أن الإجراءات الاقتصادية التي تتعلق بهموم الناس وتم فيها تجاوز البرلمان تأخذ الشكل القانوني السليم؟
– الإجراءات التي اتخذت وهي ما سميت بالاعتماد الإضافي الذي أجازه مجلس الوزراء، ما نتج عن إجراءات رفع الدعم عن المحروقات من عائدات مالية وكيفية صرف هذه العائدات المالية تعرض الآن على البرلمان.
} كم وفرت هذه الإجراءات الاقتصادية؟
– هناك مشروع قانون اعتماد مالي معروض على البرلمان يعتمد مبلغاً إجمالياً قدره مليارين و93 مليوناً و900 ألف جنيه، هذا نتج من واحد مليار و786 مليوناً وأربعمائة ألف جنيه من فروقات أسعار المواد البترولية، و307 مليوناً و500 ألف جنيه من الإصلاحات الضريبية والجمركية، وهذه عائدات من فروقات أسعار المواد البترولية في ما تبقى من عمر الموازنة، وتوجه إلى تعويضات العاملين ودعم الأسر الفقيرة والطلاب والتأمين الصحي والمستشفيات، ودعم الموسم الزراعي، وما نتج من عائد المحروقات لم يذهب إلى أي مشروعات بخلاف الأسر الفقيرة.
} ننتقل إلى محور آخر حول قانونية فصل د. “غازي” ود. “فضل الله أحمد عبد الله”.. وهل صدر أمر بفصلهما من المجلس وشرعية وجودهما بالمجلس؟
– طبعاً خروج الشخص عن انتمائه الحزبي حسب نص اللائحة وحسب النصوص الدستورية واحد من الأسباب التي تفقد العضو عضويته، أو أن يبدل أو يتخلى عن انتمائه السياسي، وإذا أفاد حزبه الذي دخل به البرلمان أن (فلان الفلاني) تم فصله ولم يعد ملتزماً بالحزب.. دي كلها مسائل يمكن أن تحرك إجراءات لإسقاط عضوية العضو من المجلس، وطبعاً هناك أسباب أخرى في حالة الوفاة أو الاستقالة أو الإدانة في جريمة، وواحد منها أن يبدل انتماءه السياسي، لكن الإجراءات التي تتبع في البرلمان تختلف عن الإجراءات التي تتبع في عضوية الحزب، فإن أصدر الحزب قراراً بإسقاط عضوية العضو من الحزب لا يترتب عليه تلقائياً إسقاط عضويته في الجهاز التشريعي، لأن الإسقاط في الجهاز التشريعي يأتي بموجب إجراءات هي أن يرفع طلب إلى المجلس من الحزب أو من عضو بالمجلس يفيد فيه بأن العضو (الفلاني) غير انتماءه السياسي وبالتالي ينطبق عليه نص المادة (29) أو المادة (30) من اللائحة، والمجلس يتخذ إجراءات ويعرض المسألة على لجنة شؤون المجلس ويحيلها إلى لجنة التشريع، ويتم التحقق من المسألة، ويخرج القرار بعد ذلك من المجلس بإسقاط عضوية (فلان الفلاني) مثل إسقاط العضوية في حالة الوفاة.. وواقعة العضوين د. “غازي” ود. “فضل الله” حتى هذه اللحظة لم تحرك فيها إجراءات أمام البرلمان لإسقاط عضويتهما.
} إذن لا يزالان عضوين في البرلمان؟
– نعم.. بالمفهوم اللائحي، ما لم تسقط عضويتك في البرلمان فأنت عضو فيه.
} ولكنهما لم يحضرا جلسات المجلس؟
– لا أعتقد أن هناك ما يمنعهما من حضور الجلسات لأنه لم يصدر قرار بإسقاط عضويتهما.
} والمجلس في آخر دورة له هل تعتقد أنه أدى دوره على أكمل وجه دون تدخل من أية جهة سياسية أو سيادية.. وهل تعتقد أنه طوال السنوات الماضية أجاز من القوانين ما يتفق ومطلوبات الحياة السودانية أم أنه تعرض لضغوط حزبية؟
– لا أعتقد أنه تعرض إلى أي ضغوط من أية جهة، لأن التشريع نفسه سلطة مشتركة بين الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي، والبرلمان يمكن أن يبادر بتقديم مشروعات القوانين وذات الحق متاح للسلطة التنفيذية، وهذا هو المتبع في كثير من بلاد العالم، لأن الجهاز التنفيذي هو الأقرب للعمل والقوانين تصدر لتسهيل العمل العام.. ورئيس الجمهورية يمكن أن يتقدم بمبادرات تشريعية، وكل مبادرات الجهاز التنفيذي تأتي عبر مجلس الوزراء، والمؤتمر الوطني لا دخل له في الإجراءات التشريعية التي تجري في البرلمان ولا يتدخل فيها.
} قد لا يكون المؤتمر الوطني تدخل كحزب ولكن كأفراد؟
– الأحزاب تمارس عملها من خلال وجودها في البرلمان.. عشان كده أنا بقول إنو على الأحزاب أن لا تبتعد عن المشاركة.. لأنه من خلال المشاركة تستطيع أن تقول رأيها وتقدم مبادراتها التشريعية بما يصلح لإدارة الشأن العام، وأغلبية المؤتمر الوطني تكفل له تمرير ما يراه عبر البرلمان.
} سيطرة المؤتمر الوطني على المجلس جعلته بمثابة مجلس الحزب أو مجلس الحكومة أو مجلس الصوت الواحد الذي لا ينازعه فيه صوت آخر؟
– أنا لا أقول إن الأمر بهذه الصورة، لكن درج الناس في العمل البرلماني أن تكون هناك مناكفات بين السلطة التنفيذية والتشريعية مثلما كان في الديمقراطية الأخيرة، حيث كان نواب الجبهة الإسلامية والأمة والاتحادي، وما تعرضه الحكومة لا يجد الموافقة غالباً من المعارضة الموجودة في البرلمان، لذلك يرتفع الصوت المعارض، وهذه هي الصورة التي حسبها الناس الصورة الطبيعية للعمل البرلماني والديمقراطي.. لكن أيضاً بالمقابل ليس مقبولاً أن يكون البرلمان جهازاً أو مؤسسة لا رأي لها فيما يخص السلطة التنفيذية، والسلطة التنفيذية وأغلب نواب المجلس الوطني من المؤتمر الوطني لذلك ليس من المستغرب أن تكون السياسات التي تعرض على البرلمان هي السياسات المتفق عليها داخل الحزب، وهذا لا يمنع أن يمارس العضو في البرلمان حقه ويقدم رؤاه المختلفة حول الموضوع المعني، لذلك تجد الموضوع الواحد فيه آراء مختلفة، مثلاً أمر زيادة أسعار المحروقات هناك بعض الأعضاء بالبرلمان لديهم رأي حول هذا الأمر، لكن دائماً حسم المسائل الخلافية حول أعضاء الحزب الواحد تنظم داخل الهيئة البرلمانية للحزب مثلما يحدث في المؤتمر الوطني.. وهذا لا يعني أنه دائماً يبصم على ما يأتيه من الجهاز التنفيذي.
} ولكن ما ذكرته يشير بصورة واضحة إلى إقصاء المؤتمر الوطني للتعددية داخل المجلس؟
– لا ليس إقصاءً للتعددية.. والتعددية هي وجود قوى سياسية وأحزاب داخل البرلمان، وفي المرحلة الأخيرة كانت هناك انتخابات أفرزت أن المؤتمر الوطني أخذ أغلبية المقاعد.. والمطلوب من الأحزاب السياسية المشاركة فيها، حتى نضمن وجود تمثيل نسبي داخل المؤسسات التشريعية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية