من داخل سرادق عزاء وزير الصناعة "عبد الوهاب عثمان"
توسد وزير الصناعة المهندس “عبد الوهاب محمد عثمان” الثرى عشية أول من أمس (الخميس)، ورحل عن الدنيا في صمت بعد أن خطفته يد المنون وذهب إلى أب أرحم .. وترك خلفه ووراءه أعماله وسيرته الطيبة والعطرة وعطاءه ومنجزاته الثرة وطهارة يده، لتتحدث عنه في غيابه على قاعدة (ذلك الغياب هو الحضور الحقيقي) في العديد من المجالات سواء في الصناعة أو قبلها في وزارة التخطيط العمراني .. لكن رحل الرجل وترك الوجوم والحزن والأسى يخيم على أسرته والمقربين منه وزملائه في الحكومة …
فجر أول من أمس (الخميس)، لم يكن مثله مثل الصباحات المعتادة على أهل السودان عامة، وعلى أهل الجزيرة في منطقة (ألتي) حوالي (50) كلم جنوبي الخرطوم بصفة خاصة، فقد فجع السودانيون برحيل الوزير “عبد الوهاب عثمان”، بعد صراع طويل إمتد مع المرض الذي اضطره إلى السفر مستشفياً في ألمانيا ليعود بعدها قبيل عيد الأضحى المنصرم في حالة صحية جيدة .. ويتملكه المرض مرة ثانية الذي لم يمهله طويلاً، ليغادر بعدها إلى أحد المشافي في العاصمة الأردنية عمان التي فارق فيها الحياة دون ضوضاء. ويقول مقربون من الرجل إنه من شيم الرجال عدم الشكوى بالمرض وإظهارها إلى وسائل الإعلام وغيرها لمتابعتها فسافر الراحل للعلاج في صمت دون معرفة أقرب الأقربين إليه، فاكنت الرحلة الأخيرة في حياته المليئة بالعطاء والجد وروح المسؤولية والنزاهة وطهارة اليد بحسب مقربين منه…
تقاطر الوفود …
وفي سرادق العزاء التي وزعت في أكثر من موقع في منطقة (ألتي) مسقط رأس الراحل، نظراً للحضور الكثيف من المعزيين فلا تزال الوفود والحشود وآلاف الناس يتقاطرون إلى منزل الفقيد الذي ضاق على سعته من كثرة المعزين، كعادة السودانيين في الملمات والإحن والمصائب، تقدمهم صباح أمس (الجمعة)، مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع على نافع، ومساعد الرئيس “جلال يوسف الدقير”، ورئيس البرلمان “أحمد إبراهيم الطاهر”، ووزير المالية “علي محمود”، ووزير الخارجية “على كرتي”، فضلاً عن عدد من المسؤولين في حكومة الخرطوم وعدد كبير من مسؤولي حكومة ولاية الجزيرة، بجانب معارف وأقارب الراحل الذين تقاطروا لتقديم واجب العزاء في الفقد الجلل.
حضور النائب الأول .. وتأبين للراحل …
عقب صلاة الجمعة أمس وصل النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه” إلى منزل الفقيد لتقديم واجب العزاء لأسرته، استقبله والي الجزيرة “الزبير بشير طه”، وقدم واجب العزاء وجلس لبعض الوقت داخل سرادق العزاء بين أهل وأسرة الراحل، كما وصل إلى المنطقة رئيس السلطة الإقليمية لدارفور “التيجاني السيسي”، وعدد من المسؤولين، ونصب بالقرب من منزل الفقيد (صيوان) عصر أمس لعمل تأبين للراحل للحديث حول مآثر الرجل ومحاسنه وحياته.
رجل نظيف اليد …
“حسن البشير موسى” معلم بالمعاش ويقطن قرية البشاقرة غرب جوار بلدة الراحل، جاء إلى تقديم واجب العزاء ويتملكه الوجوم والحزن لفقد ابن المنطقة. ويبدو أن للراحل أفضالاً على هذا المعلم ويقول نحن نفتخر ونعتز به لأنه من أبناء الجزيرة الوحيدين الذي تبوأ منصب الوزير الاتحادي، رغم أن هناك آلافاً من أبناء وبنات ولاية الجزيرة الذين يحملون الدرجات العلمية الرفيعة، لكن تم اختياره (لأنه رجل نظيف). ويسترسل في القول بأنه معجب بالراحل لمواقفه خاصة وأن الفقيد رفض الوظيفة الدستورية واستقال من منصبه كوزير للصناعة إبان مشكلة مصنع سكر النيل الأبيض، التي سببت في تأخير افتتاحه الإدارة الأميركية، ويضيف الرجل أن الوزير الراحل تقدم باستقالته تحملاً للمسؤولية وعزة بالنفس. ويمضي في قوله إن الراحل قدم خدمات جليلة لأهالي المنطقة وساهم في إنشاء (مشروع قرطبة) للإنتاج الحيواني والدواجن الذي أسهم بشكل كبير في سد حاجة أهل المنطقة من منتوجات الدواجن من بيض ولحوم فضلاً عن توفير الألبان، وكان الراحل وراء قيام هذا المشروع. فضلاً عن أنه يساهم في إنشاء المدارس والمراكز الصحية ودعم (الخلاوي) دعماً سخياً دون من أو أذى، ويضيف أنه رغماً عن كل ذلك سبق وأن قابلت الوزير مرة واحدة وقدم لى خدمة تمليك منزل في الخرطوم لحاجتي الشديدة إليه.
رفض قبول (88) مليوناً من مستثمر سعودي …
“بشرى أحمد محمد على” رفيق للراحل منذ الصبا يقول إن صديقه الفقيد من بواكير صباه كان صارماً ويحب إحقاق الحق، وأن شخصيته كانت قوية. ومنذ أن كان في المرحلة المتوسطة كان مشاركاً في الحلقات الاجتماعية وظل عوناً للمساكين منذ أن تخرج في الجامعة، وظل يساند الخلاوي ويدعم التخطيط في ولاية الجزيرة، وأن للرجل علاقات واسعة مع المستثمرين العرب والأجانب منذ أن كان مديراً لشركة (دانفوديو)، لكنه لا يمتلك سوى منزل واحد ومتواضع في ضاحية الجريف غرب، رغم أنه تبوأ منصب وزير التخطيط العمراني في ولاية الخرطوم، ويضيف الرجل أنه من عفة الراحل عندما كان وزيراً للتخطيط العمراني كان يترك سيارة الحكومة بعد نهاية الدوام اليومي ويمتطي عربته الخاصة، وأنه سبق عندما كان مديراً لشركة (دانفوديو) عرض عليه مستثمر سعودي يدعى “جمجوم” نصيباً في الاستثمار الذي أنجزه إليه ودفع إليه مبلغ (88) مليون جنيه، لكن الراحل رفضها بحجة أنه لم يفعل شيئاً سوى عمله الذي يتقاضى عليه راتبه من الحكومة في بداية تسعينيات القرن المنصرم.
رفيق الراحل .. الفقيد ظل يدعم الخلاوي …
“فتح الرحمن بابكر الباهي”، أحد المقربين إلى الراحل وزميل دراسته، يقول عن الفقيد إنه يقدم خدمات بيده اليمنى دون علم يده اليسرى، ويقوم بتركيب آبار المياه في منطقته والمناطق المجاورة ويزور الناس في أفراحهم وأتراحهم، ما يجعل الناس في البلد يرتاحون إليه دون تكلف وليس بإعتباره وزيراً، فضلاً عن تقديمه لخدمات إعاشة طلاب الخلاوي. ويقول إنه سبق وأن رفض إقامة تكريم له في المنطقة نظراً للخدمات التي ظل يقدمها، بحجة أن الأموال التي جمعت ويريدون بها تكريمه يجب أن تذهب في خدمات يستفيد منها الناس، وأن الراحل كان رجلاً ذا سمت وأخلاق عالية، فضلاً عن أن والده كان يحفظ القرآن، وأن الوزير الراحل ظل متواضعاً ويقدم للمنطقة عندما يأتها في عطله القصيرة يزور الناس في الأفراح والأتراح ولا يلقب في المنطقة بالوزير، كما كان يعول عدداً من الأسر في المنطقة لذلك بكوا بكاءً حاراً لفقده. ويقول إن رفيق دربه درس في مدرسة المسيد الابتدائية، وكاب الجداد المتوسطة والدامر الثانوية وثم كلية الهندسة جامعة الخرطوم.
“المتعافي” يذرف الدموع ويعدد مآثر الفقيد …
لم يتمالك وزير الزراعة الدكتور “عبد الحليم إسماعيل المتعافي” نفسه وغالبته الدموع التي ذرفها بشدة على روح الراحل، عقب تشييع جثمانه الثرى ولم يبارح المكان حتى اليوم الثاني. وتحدث عن مآثر الفقيد الذي زامله لمدة (8) سنوات في العمل المشترك في ولاية الخرطوم وكوزير اتحادي، وقال “المتعافي” إنه زامل الفقيد لمدة (8) سنوات وشارك معه في تخطيط ولاية الخرطوم قائلا، إن الراحل كان من المسؤولين الذين يحضرون إلى عملهم باكراً وأنه سبق للراحل أن رفض للقيادي الإسلامي “حاج نور” إعطائه منزلاً في الخرطوم بحجة أن الأخير يمتلك المنزل وأن الأولى أن يذهب ذلك المنزل إلى رجل آخر يستحق.
حزب الأمة يعزي …
الكل يمم وجهه نحو منطقة الراحل، يدفعهم الواجب والفقد العظيم وبطبع السودانيين دائماً يتركون الخصام والخلافات السياسية جانياً، وتجمعهم الملمات والخطوب والجوانب الاجتماعية، فقد شارك حزب الأمة القومي أمس بوفد رفيع من الحزب برئاسة نائب رئيس الحزب الفريق “صديق محمد إسماعيل”، في تقديم واجب العزاء لأسرة الراحل المهندس “عبد الوهاب”. ويقول الفريق “صديق” لـ(المجهر) وصلنا إلى دار الراحل بوفد يمثل جماهير حزب الأمة وجماهير الأنصار بتكليف من رئيس الحزب “الصادق المهدي”، لتقديم واجب العزاء للشعب السوداني عامة ولأهل الجزيرة بصفة خاصة لفقدهم الكبير الراحل الدكتور “عبد الوهاب محمد عثمان” وزير الصناعة. ويضيف (نسأل للفقيد حسن القبول وأن يلحقه بالصديقين وأن يحسن عزاء أسرة الفقيد الصغيرة والكبيرة .. و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
حضور “غازي صلاح الدين” للعزاء …
خلع الدكتور “غازي صلاح الدين العتباني” عمامة السياسة جانباً رغم اختلافه مع الحكومة، لكنه جاء كعادة السودانيين الذين يقدسون الواجب فحضر لتقديم واجب العزاء في الراحل، باعتبار أن الفقيد يعتبر من رفقاء الدرب لـ”غازي”.
معتمد الكاملين (الصالحون يظهرون عند جنائزهم) …
تبدو عليه علامات الحزن والأسى لفقد ابن الجزيرة وابن محليته ويقول “يوسف الزبير يوسف” معتمد الكاملين لـ(المجهر)، إنه فجر أول من أمس فجع كل مواطني محليته الكاملين وولاية الجزيرة والسودان أجمع لفقد واحد من أطهر وأنبل وأكثر جدية داخل الحكومة السودانية، فضلاً عن أنه أكثرهم (زهداً وإخلاصاً).
ويضيف المعتمد بالقول إن الأخ “عبد الوهاب عثمان” واحد من المميزين من من عملوا في الشأن العام، والشاهد على ذلك جموع المشيعين الذين واروا جثمانه الثرى والجموع المتواجدة في سرادق العزاء، والجموع والوفود التي توافدت من كل الجهات ومن كل شرائح المجتمع السوداني. ويقول إن رحيل الوزير يؤكد القيمة الحقيقية للفقيد وأن (الصالحون يظهرون عند جنائزهم وأن الجنائز مؤشر للصلاح)، فهو ليس تذكية على الله لكن نقول إن الراحل عمل واجتهد وثابر وهو زاهد في الكرسي دونما ضجيج وإزعاج وبوجه خاص في الخرطوم، قائلاً إنه شيد ورتب وصان وبنى الطرق والجسور والكباري بالشكل الحضاري الذي تشهده الخرطوم حالياً.