رأي

البنك الزراعي والقمح

أعلن مساعد المدير العام للمخزون الإستراتيجي بالبنك الزراعي السوداني، استعدادهم للعمل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وتمزيق فاتورة استيراده، بعد ذلك تحدث عن المساحات التي تم تجهيزها لزراعة القمح والتقاوي وكلها بمئات الآلاف من الأفدنة.
ونقول قرأنا هذا الكلام كثيراً جداً خلال العشرين عاماً الماضية، لكننا في كل مرة نفاجأ بسفن تفرغ شحنتها من القمح في ميناء بورتسودان. في هذا التصريح تحدث هذا المسؤول عن المساحات التي سوف تزرع قمحاً، ولو كانت هذه المساحات بأرقامها الكبيرة موجودة في أوروبا أو أمريكا، لتأكد لنا أن الإنتاج سيفيض عن الحاجة المحلية ويتجه للتصدير. لكننا لم نعرف حتى الآن السبب الذي يجعل كل هذه المساحات تنتج محصولاً لا يتناسب مع المساحة، السبب في هذه الحالة إما أن يكون في المناخ أو الأرض أو الإنسان.. وكلها أسباب لها علاج يعرفها رجل خبير مثل مساعد المدير العام للمخزون الإستراتيجي.. في اعتقادي أن معظم مشاكلنا مع القمح سببها أننا نود إنباته في ببيئة لم تخلق له.. فالقمح بحاجة إلى بيئة تميل للبرودة خلال فترة الزراعة والرعاية المبكرة، وهذه البيئة لا تتوفر إلا في الولاية الشمالية.. والمزارع هناك لديه أربعة آلاف عام مع هذا المحصول، وهو يعرف كيف يعد منه عدة أنواع من الخبز وبكميات كبيرة.
في دنقلا الآن هناك فرن في كل بيت لإنتاج الخبز، وهناك مناطق أخرى تتوفر فيها شروط إنبات القمح مثل جبل مرة وبعض مناطق شرق السودان خاصة منطقة دلتا طوكر. وهذه الدلتا طلب مني الوزير الراحل “إبراهيم محجوب” ألا أوقف الحملة حولها لأنه كان يراها طوق الإنقاذ للسودان، لكن الحكومة المركزية لم تساعده برصد الاعتمادات اللازمة، فضاع صوته في الهواء رغم المؤتمرات التي عقدها ودعا لها الخبراء في الزراعة.
بدلاً من إهدار الجهد في مناطق لا تناسب القمح ينبغي توفير الجهد والمال للمناطق المستعدة أصلاً للقمح، والتي لأهلها خبرات آلاف السنين معه مثل الولاية الشمالية التي مزارعها هو النموذج للفلاح الملتصق بالأرض، والذي ليس لديه عمل سوى رعايتها ويجيد كل عمليات التعامل مع الأرض والتصرف في المواقف الحرجة.
أعرف أن بعضكم يقول الآن إن المزارع في الشمالية كان يكفيه مساحة صغيرة لإنتاج ما يكفيه ويكفي أسرته الصغيرة، ونحن الآن نريد إنتاجاً بمئات الآلاف من الأطنان، وذلك لا يكون إلا بإدخال الآليات الحديثة، ونقول لهؤلاء أن إنسان الشمال اعتاد على التعامل مع مشاكل المساحة، وإذا أضيفت خبراته إلى التكنولوجيا الحديثة لا شك أن العائد سيكون كبيراً.
يقولون إن الأرض البعيدة عن النيل في الشمالية رملية صحراوية، ولا أعرف ما إذا كان من يقولون هذا الكلام قد جربوا الزراعة فيها، فنحن نعرف أنها صحراوية ولكن بالإمكان استصلاح مئات الآلاف من الأفدنة في المنطقة الممتدة من الجيلي إلى وادي حلفا والفلاح في الشمالية لديه هذه الخبرة، فهذه الولاية زودت كل الإمبراطورية الرومانية بالقمح في سنة من السنوات عندما اشتد البرد في أوروبا، فكان إنقاذ الإمبراطورية الرومانية في وادي النيل.
لماذا لا يقوم أحد مهندسينا الزراعيين بتجارب لاستصلاح المساحات البعيدة عن النيل.. ويكون ذلك بغمرها بمياه الفيضان المشبعة بالطمي خلال موسم الفيضان، فهي لا شك ستزيد من خصوبة التربة ثم زراعتها بعد موسم أو موسمين، نفس التجربة يمكن أن تكرر في جبل مرة أو دلتا طوكر، وإذا أردنا حقيقة تمزيق فاتورة القمح فعلينا أن نكون عمليين وعلميين بدلاً من الكلام الإنشائي الذي لا يفيد، ولنبدأ بإعادة الناس إلى الأرض ثم بعد ذلك ندربهم ونوفر لهم الآليات المناسبة.

سؤال غير خبيث
مشكلة زراعة القمح في السودان؟
أ. في المناخ.
ب. في الأرض.
ﺠ. في المزارع.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية