أخبار

أسمر اللونا

أغنية الراحل الفذ الإمبراطور الراحل “محمد وردي” (أسمر اللونا) ورغم أنها باللغة (النوبية) لكنها المفضلة عندي خاصة إن (تعودت)- أي أدِّيت بالعود- يسري لحنها (الحنون) فيفك شفرة عجمة النص وألمح أشباح كلمات عربية من (يا سلآآآآم) إلى حديث عن الملاك والملائكة و(قميص نص كم) مما يجعلها نصاً جسراً بين اللغات واللهجات، وأثق أن غير قليل من السودانيين يطربون لتلك الأغنية – كما الأخريات- ولا تحول بينهم وتذوُّق نصاعة قولها عجمية نطقها لفصاحة الأحاسيس التي تترجم معانيها.
مثل “وردي” كل وغالب أعمدة الغناء والأدب في عقود مضت، وقد عجبت والله وأنا أستمع في مناسبة عرس لأحدهم، وهو يزعم أنه يغني، كان الشاب العشريني مثل القافز فوق المراحل يغني مقطعاً لعثمان حسين، فيشنق مطلع الحروف ويفخخ آخرها مع لحن هو مزيج من منتوج (فلاش) يعين أحد العازفين ومشاركة آخرين يخرجون كتلة من الضوضاء التي تتوقف لثوان لأن المغني المرح انتقل فجأة لينهب منتوج (أبوداؤود) ويعرج فيغشى (زيدان) ثم ينعطف فينال شيئاً من أوتار الحماسة قبل أن يدخل فجأة إلى الغناء العربي فيغني (اركب الحنطور)! وكل هذا دون مراعاة لفروق الوقت، وبالطبع فإن أهل المناسبة معذورون فلا يجوز في مثل هذه الأوقات زجر شخص والناس في لحظة عرس وفرح.
هل تدنت ذائقة الناس، فما عاد أحد يكتب شعراً جميلاً، وما عاد المطربون الشباب أو (الشياب) يبحثون عن درر النصوص والمعاني، أم أن سطوة الاستهلاك والسرعة طالت حتى الفنون، فصار شعار الأمر أنتج كماً ولا تحدد كيفاً، وفي ظني أن المسألة تحتاج إلى بحث، فالانهيار في الوجدانيات والفنون لا يقل خطورة عن مردودات انهيار سعر الصرف أو الاضطراب الاقتصادي، ومما يؤسف له ألا أحد يتلفت إلى ذلك، إذ ما عادت بالخرطوم والمدن الأخرى أنشطة ثقافية تغري بالمتابعة، توقف صعود أسماء الأدباء والشعراء الذين صار إنتاجهم مثل كتابة بعض الكتاب الصحافيين أفكاراً مكررة ولغة فاترة غير جاذبة، ولا يقول أحدكم إن الشعب والمواطنين انصرفوا عن تلك الأشياء لكونها ترفاً، هذا قول غير صحيح، فقد زرت معرض الكتاب الذي أقيم مؤخراً بمعرض الخرطوم الدولي ببري ووجدت المئات من مختلف الأعمار والأجيال مسمرين أمام المعروضات من الكتب والمراجع وحركة الشراء تؤكد أن الخرطوم لا تزال تقرأ.
في بدايات الإنقاذ أذكر أن مشروعاً قد طُرح بمسمى (الإحياء الثقافي) ولا أعرف خلاصة (جرده) ولكن الحائل الذي نحن فيه الآن يشي إليَّ بمؤشرات أمل أن تكون حاضرة في القائمين على أمر الإصلاح والتصويب في هذا البلد فما غاية علمنا وطموحنا تغيير وتعديل في الأسماء ما نحتاج إليه تعديل يوجه خطوات الدعم والإسناد إلى مثل هذه المناطق المظلومة في صورة المشهد العام بالوطن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية