أخبار

رسالة تفوح بالشعر!!

عزيزي “خالد”.. تحية طيبة لك ولقراء نافذتك الرائعة (ماذا بعد؟!).
وبعيداً عن السياسة، يسعدني أن اصطحبكم معي في هذا الترحال الجميل عبر الزمن، التقيت خلاله قامات أدبية سامقة ومواقف لا تزال موغلة في صميم الذاكرة المتعبة، ولتكن البداية من جامعة الخرطوم في بداية الستينيات حيث التقيت الشاعر “علي عبد القيوم” واستمعت له يلقي لنا قصيدة بعنوان (عندما يفجر الإنسان فيه مشاعر الغابة).. وأخرى يقول فيها: (أحبائي مآسيكم مآسينا وعيد فداؤكم عيدي) وكان قد شاهد بعض الصبية يبحثون في ثنايا النفايات عن طعام في يوم عيد الأضحى المبارك.. وداعبه صديقه “محمد المكي إبراهيم” بقصيدة بعنوان (إهانات شخصية لقيس بن الملوح) أقرب للإخوانيات من القصائد، يقول في مطلعها: (على ليلى يطول أساك منتعلاً وسامة قلبك الشاعر.. مطروداً أمام الريح محتملاً جراحات الهوى الخاسر وممدوداً علي سجادة التاريخ مائدة لكل حزين.. على ليلى تجرجر في الدواوين العتيقة حزنك الشحاذ وترفع راية العجز الذليل عن المنى والأخذ والإنجاز.. لأنك باسم إرضاء القبيلة وسطوة الآخر.. تركت هواك للأعداء ولم تصمد هشاشة عظمك العذري للقتلة وإن صمدت لهول الموت في الصحراء..).. وبخجل شديد شاركت بقصيدة أقول في مطلعها: (الزعزع النكباء مغلولة الجناح.. يا ليت شعري كيف تهزم الرياح فلا هدير لا اندياح).. وكنت وقتها في السنة الأولى بكلية الآداب.. ثم انتقلت لكلية البوليس، لأجد نفسي مشاركاً في أمسية شعرية في صيف العام 1966م ضمت الشاعر “صلاح أحمد إبراهيم”، والصحفي الشاعر “الفاتح التجاني”، واللواء الشاعر “عوض مالك”، والشاعر “أبو آمنه حامد”.. قدم لنا “صلاح أحمد إبراهيم” قصيدة رائعة باللغة العامية عنوانها (حفنة ذكريات) يقول في مطلعها: (كل ركن وكل شارع أعبرو.. ألقاك زارع لي فيهو الذكريات.. ذكريات كانت ورد نديان بأفراحنا.. رفّت عليه زي النحل أرواحنا.. والآن انطوت أفراح زمان.. والورد مات.. نحلو عطشان.. وردو نشفان.. أنظرو.. في كل ركن وكل شارع وكل ميدان أعبرو.. أشواك جديدة.. محددة وزي الحديد والقلب حفيان تنغرز في لحمو كالأسنان.. ينزف دم.. يمسك حنه.. جرج ماسك جرح زي فم رضيع.. يتفتح الشريان جميع.. سائل وإن ضمدتو بالسلوان تمزقو في ألم شديد هائل.. الذكريات).. وقدم “الفاتح التجاني” قصيدة يقول في مطلعها: (ماذا أقول في الوداع يا صحبتي.. أنا الذي يخاف حين يُقبل المساء من لفظة تصبحون على خير.. أخاف من كف تلاقي الكف في رجاء.. أخاف من لقاء حالم ما بعده لقاء.. أخاف أن يفقرني العجز فأنكسر.. أبكي أنا الذي يستهجن البكاء ولا يطيق أن يرى الدموع تنحدر.. يا صحبتي وحين تلتقون في أواخر المساء.. فاتركوا في المجلس الحبيب مقعداً.. فقد أعود فجأة.. يشدني إليكمو الحنين يا أوفياء).. أما “أبو آمنة” فقد قدم لنا قصيدتين عرفهما القارئ فيما بعد، هما (وشوشني العبير) و(سال من شعرها الذهب)، وبتواضع شديد شاركت أنا بقصيدة أقول في مطلعها: (في لحظة الوداع يا حبيبتي.. فقدت كنز حكمتي وضاع ظليّ القديم من يدي.. ضاع الهوى ويبست أضلع السؤال وها هو المسافر المشوق أنزل الرحال.. لم يدر أن بعد روعة اللقاء.. كلمة الوداع.. يقولها ويحضن الخيال).. وتمر الأيام لأجد نفسي في حفل تأسيس (منظمة أروقة) بين كوكبة مميزة من الشعراء، قدم خلالها الشاعر “الهادي آدم” رائعته المشهورة (أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدي.. يا لشوقي واضطرابي بانتظار الموعد.. آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا.. كنت استدنيه لكن هبته لما أهابا) وبخجل أشد قدمت قصيدة بعنوان (الصبية والشارع الكسول) أقول في مطلعها: (ونثرت صبية جمالها في الشارع الكسول.. فارتبكت دورة الفصول.. الصيف لملم الرداء خلف ظله السحيق.. وأينع الربيع في حجارة الطريق.. شمخ الحزن في بوابة الذهول).. وتمر الأيام لألتقي الشاعر “التجاني حاج موسى” والموسيقار الرائع “عمر الشاعر” بحديقة جامعة الرباط في نهارية شعرية وغنائية رائعة، قدمت فيها قصيدة بعنوان (امرأة استثنائية) أقول في مطلعها: (لا شأن لي بك.. يا سمراء بلون الشفق وغامضة كالبريق في دوائر اللهب.. فعندي حبيبة.. خجولة وأنثوية.. ندية كوردة موسمية.. ثغرها كالينبوع دائم الابتسامة وشعرها يركض في سمائنا كالحمامة.. فما لي أنا ومال امرأة ليست سوي زوبعة.. تهكمية وفوضوية..يا امرأة حارقة كالبركان وجارفة كالطوفان.. فلم كل هذا العنف والعنفوان ولم هذه القسوة يا جميلة.. يا سيدة البهاء والروعة المستحيلة).. ومشاوير أخرى مع “كجراي” و”ديشاب” و”كمال عبد الحليم”، ومع الرائع المترف الدكتور “محمد عبد الحي”.. وأكتفي بهذه العجالة مع إعزازي ومودتي للجميع.

عبد الغني الرابيّ

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية