حوارات

رئيس لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني "الفاضل حاج سليمان" لـ(المجهر) (1 – 2)

جدل كثيف لا ينتهي، يتجدد متزامناً مع كثير من الأحداث المتعلقة بكثير من القوانين والتشريعات التي تحكم الحياة الاجتماعية والسياسية في الوقت الحالي.. ولعل من أكثر القضايا المزمنة والملحة في الوقت الحالي قضية وضع الدستور الدائم للبلاد، وكيفية اشتراك ومساهمة القوى السياسية في وضع الملامح العامة للدستور الذي يحكم الحياة السياسية في البلاد، بالإضافة إلى أن ثمة قوانين أخرى يثار حولها جدل كثيف للغاية، منها قانون الطوارئ وقانون النظام العام والقوانين التي تهتم بالشأن العام والخاص.
(المجهر) جلست إلى الأستاذ والقانوني “الفاضل حاج سليمان” رئيس لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني وأدارت معه حواراً حول التشريعات والقوانين التي تحكم سير الحياة بالبلاد إجمالاً.. عضد “سليمان” على بعضها، واقترح تعديلاً على البعض الآخر، وتكفل بشرح كثير من المواد الغائبة عن الأذهان.. فإلى مضابط الحوار:

} برأيك لماذا فشل كل الدستوريين والقانونيين والقوى الأخرى في وضع دستور دائم للبلاد منذ الاستقلال وحتى الآن؟
– بداية لا نقول فشل الدستوريون والتشريعيون، لأن موضوع الدستور ليس تشريعياً فقط ولكن تحكمه الجوانب المتعلقة بالسلطة التشريعية، وتحكمه الجوانب المتعلقة، السياسية والأحزاب والنظام السياسي والاستقرار السياسي نفسه، وهو أكثر عامل من عوامل الفشل في وضع دستور والاستقرار على وضعية دستورية ثابتة، لأنه ليس من الصعب من ناحية تشريعية صياغة الدستور، ووضعه وإشراك المختصين وأهل الخبرة فيه، لكن تبقى الإشكالية في كيف يمكن أن تتفق كل القوى السياسية على احترام هذا الدستور وعدم الخروج عليه والدفاع عنه والالتزام به، وفوق ذلك المشاركة في إقرار الدستور.. وكل الدساتير التي وضعت، أنا في تقديري من خلال اطلاعي، هي دساتير تحترم الحقوق والحريات وتلتزم بالمبادئ الدولية العامة فيما يتعلق بالدستور والحقوق والحريات، لكن تجد إشكالية في عدم التزام القوى السياسية السودانية باحترام هذه القيم والمبادئ في الواقع، ويمكن تجاربنا كلها تشير إلى ذلك الدستور الذي وضع في 53 وهو أول مبادئ دستورية يتفق عليها، وجاء بعد ذلك الاستقلال في عام 56 بعد رفع العلم والتوافق الحزبي المسؤول، وقامت انتخابات عام 65 وقامت الجمعية التأسيسية، وبدأت الإجراءات لإقرار دستور واحترامه، والخروج عليه ليس مشكلة التشريعيين ولكنها مشكلة السياسيين، وحتى الانقلابات العسكرية التي ننسبها للقوات المسلحة، لا يوجد انقلاب إلا وكان وراءه حزب سياسي سواء أكان التسليم والتسلم في فترة “عبد الله خليل” حتى آخرها في الإنقاذ في 89.
} إذن إلى أين تمضي الآن الجهود في إقرار دستور دائم للبلاد.. ومدى مشاركة القوى السياسية في صياغته؟
– لكي يحدث استقرار سياسي سواء أكان نظاماً رئاسياً أو برلمانياً أو مختلطاً يجب أن يتوافق أهل السودان على أن الانتخابات هي الوسيلة التي ينبغي أن يُتعامل بها للوصول إلى السلطة، وتحترم أيضاً العملية الانتخابية التي لا يمكن أن يتم العمل فيها بمجرد إجراءات ونصوص قانونية تصاغ وتوضع في المضابط والورق.. ما لم يتم الاتفاق من قبل القوى السياسية على هذا المبادئ لا نضمن الاستقرار والاستمرار.. وعشان كده الشيء الذي يجري الآن من قبل رئاسة الدولة هو أن تسعى لجمع القوى السياسية كلها للجلوس والتفاكر حول المبادئ الدستورية التي ينبغي أن يتم الاتفاق عليها، ومن بعد إقرار الدستور تأتي القوانين والإجراءات اللاحقة التي ينبغي أن تكون كلها متوافقة مع الدستور، ومنها قانون الانتخابات، التي ينبغي أن تتبع في السودان، وهذه أيضاً مسألة تحتاج إلى حوار ونقاش.. وأنا أستغرب امتناع بعض القوى السياسية عندما تدعى من قبل رئيس الجمهورية للجلوس والتحاور والتفاكر حول المخرج الدستوري أو إقرار الدستور.
} لأن القوى السياسية اشترطت توفر الحرية الكاملة وإزالة القوانين المقيدة للحريات؟
– أصلاً لا يجب أن تشترط قبل أن تجلس للتفاوض.. والوطن ده ما حق المؤتمر الوطني وليس حق السلطة القائمة، هذا الوطن هو حق للجميع، والأمر الواقع أن هناك في رئاسة جمهورية منتخبة بموجب إجراءات صحيحة وسليمة، ومهما كان رأي القوى السياسية حولها إلا أنها انتخابات تمت بموجب الأسس والمبادئ المعروفة دولياً، وشهدت على ذلك منظمات دولية.. ويبقى الغرض الأساسي من تكوين الحزب السياسي أنه يسعى إلى الإصلاح السياسي وإدارة الشأن العام في البلد.. إذن كيف يدير الشأن العام في البلد؟ بأن نجلس جميعاً وكل الأطراف تقول رأيها.. ولا أعتقد أنه من الحكمة في شيء ولا الفهم السياسي أن أمتنع عن الجلوس.. ودعونا نتساءل ما هي الخيارات عندما أمتنع أنا ويمتنع الآخر؟!
} لكن بعض القوى السياسية تعتقد أن وجود قانون الطوارئ والاعتقالات والرقابة على الصحف يمنعها من الممارسة السياسية وبالتالي لا تضمن أن يأتي الدستور مستوعباً لها؟
– يجب أن نفرق بين الشيء الموجود العايزين يتحدثوا عنه وينتقدوه، وبين استغلال الوسيلة المتاحة للحديث عن الأشياء التي يعتقدون أنها غير سليمة ومخالفة.. إذن الجلوس مهم جداً.. وما مفروض تقول لي مافي حرية.. كون رئيس الجمهورية وهو أعلى سلطة سيادية في البلد يدعو إلى عمل مشترك يضم كل الأحزاب، ليس من الضرورة أن يكون على رأسه المؤتمر الوطني، لتكوين اللجنة القومية للدستور، مثل اللجنة القومية التي وضعت الدساتير السابقة حتى خلال الفترة الانتقالية التي تم فيها تشكيل لجنة قومية وضعت الدستور.. وعندما يكون موقفهم المبدئي أنهم ليسوا على استعداد للجلوس أو قبول الآخرين معناها أنهم يعملون على قفل الأبواب التي من خلالها يمكن أن يحدث التغيير والإصلاح، ويجب أن يجلسوا ويقولوا ما عندهم، وعندما يشعرون أن حديثهم لا يأخذ وضعيته أو توجد جهة أخرى ترفض حديثهم، وعندما يكون الرفض بالأسس الديمقراطية، أنت تقول رأيك وأنا أقول رأيي، وفي النهاية يتم تغليب الرأي الأرجح والأسلم للبلد.. وإذا أنت بقيت حزب فإنك قابل أن تفاوض وقابل للجلوس مع الآخرين، لأن كل الأحزاب تشكل قوى سياسية.. والهدف الأساسي هو الوطن، ما الذي يمنع أن نجلس جميعاً للتوافق حول قضايا الوطن؟! وأول قضية هي التوافق على الدستور، وعندما ترفض الجلوس مع الآخرين معناها إنه ليس لديك استعداد للجلوس مع الآخرين ولا قبول الآخر وعندك رأي في رأسك تريد أن تفرضه على الناس.. والآن رئيس الجمهورية ليس لديه ما يفرضه على الأحزاب السياسية، حتى المؤتمر الوطني سيأتي مثله مثل الأحزاب الأخرى في قضية الدستور والانتخاب، وكل يدلي بما عنده بدرجة من المساواة والحرية والحق الوطني العام.
} هذا الحديث يقودنا إلى التناقض الظاهر بين القوانين الموجودة حالياً.. مثلاً قانون الأحزاب السياسية الذي يتيح حرية الحركة الجماهيرية والاتصال الجماهيري.. لكن في ذات الوقت نجد أن هناك قانوناً يتصادم مع كثير من القوانين.. ما هو ردك؟
– قانون الأمن الوطني ليس على إطلاقه يحظر التجمعات.. فالتجمعات التي تكون سلمية للتعبير السلمي لا يتدخل قانون الأمن الوطني فيها إطلاقاً.. لكن التجمعات بقصد التخريب مثلما حدث مؤخراً في سبتمبر الماضي في التجمعات التي حرقت ونهبت ودمرت وقتلت ده طبعاً لا يوجد أي قانون أو تشريع يمنع تدخل الأجهزة الأمنية أو أجهزة السلطة فيها.
} هذا لا يمنع وجود تجمعات سلمية مناهضة لزيادة الأسعار تم التعامل معها؟
– كل الأحداث التي حصلت لم تكن سلمية.. كلها كانت أحداث تخريب ولم يكن هناك موكب سلمي وتحرك بصورة سلمية ووصل إلى جهة معينة لتقديم مذكرة، ومجرد ما تخرج تظاهرة فإن أول ما تبدأ به هو التكسير والحرق.. الآن هناك منتديات تعقد وندوات تنعقد حتى على مستوى الإعلام القومي، وهناك من يستضاف من القوى السياسية الأخرى، وهناك مؤتمرات حزبية انعقدت وجهاز الأمن لا يتدخل في هذه المسائل، لكن الخروج عن الأمن العام هو الذي يضطر قوات الأمن والشرطة إلى التدخل.
} هناك من يتحدث عن التضييق على وسائل الإعلام ؟
– نحن في السودان ينبغي ألا نغفل أننا في ظرف سياسي خاص أو استثنائي لأننا مواجهون بمشاكل وقضايا أمنية في حدودنا مع بعض الدول، ومع مجموعات مسلحة متمردة على الدولة، ومع منظمات تعمل ضد السودان، وفي ظل هذه الظروف ينبغي أن يكون الأداء منضبطاً، وأن لا نفسح المجال لمثل هذه المنظمات والمجموعات المتمردة حاملة السلاح لتجد فرصة للتدخل في شأن السودان.. لذلك الصحافة كواحدة من آليات التعامل مع الخبر والتحليل السياسي وتمليك المعلومات والحقائق للجمهور، ينبغي أن تكون حريصة ومتوافقة مع هذا الأمر ومع السياسات العامة للدولة، ولا تتدخل السلطة الرقابية في الصحافة إلا في هذا الإطار الضيق الذي يمس الأمن العام للدولة، وفي أية دولة توجد دوائر تتعلق بالأمن العام لا يسمح باختراقها.
} هناك عدد كبير جداً من القوانين تعرضت للانتقاد مثل قانون النظام العام وقانون الطوارئ.. هل تعتقد بوجود حاجة في الوقت الحالي لتغيير تلك القوانين؟
– قانون الطوارئ ليس قانوناً ثابتاً ومستمراً، هو قانون يفرض في حالات معينة ومسائل تقدر بقدرها في وقتها، فيتم الإعلان عن حالة الطوارئ.. وحالة الطوارئ نفسها لا تعمل إلا وفقاً لإجراءات، والبرلمان هو الذي يجيز حالة الطوارئ ويطلع على الأسباب التي أدت إلى إعلانها ويوافق عليها، ويحدد القانون المدى الذي تستمر فيه حالة الطوارئ ويتم تجديدها حسب الأحوال ولكنه ليس قانوناً ثابتاً ومستمراً.. الآن توجد بعض المناطق معلنة فيها حالة الطوارئ، والحالة التي استدعت وجودها انتهت.. وقانون الطوارئ موجود على المستوى الدولي والحالات التي تستتبع معه، والقانون نفسه ليس معناه انتهاك حقوق الإنسان والتغول.
} ولكن هذا القانون ظل سيفاً مسلطاً على أية حركة سياسية نشطة وعلى أي تحرك جماهيري مناهض للسلطة؟
– لا، هو ليس على الحركة الجماهيرية مثل حالة الطوارئ المعلنة الآن في بعض ولايات دارفور.. هذه معلنة لأن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل المجموعات المسلحة، ويوجد نهب يمارس على المواطنين وقطع للطريق العام، لذلك أعلنت حالة الطوارئ، لأنه في الوضع الطبيعي تسود النصوص القانونية الطبيعية، لكن في حالة الانفلات الحاصل مثلاً في دارفور في وجود مجموعات مسلحة تعلن حالة الطوارئ.. لكن حالة الطوارئ نفسها فيها الإجراءات التي تتبع في حالة القبض والاعتقال كلها منضبطة مع القانون.. والآن في الخرطوم لا توجد حالة طوارئ حتى نتحدث عن حالة تغول على صحافيين أو الاعتداء على السياسيين مثلاً.
} وقانون النظام العام؟
– قانون النظام العام هو قانون ولائي في معظمه وليس قومياً، وأنا مع تقديري لقانون النظام العام لكني أعتقد أنه يحتاج إلى مراجعات كثيرة، والمراجعات التي يحتاج لها القانون ينبغي أن تتم على المستوى الولائي، مثلاً في ولاية الخرطوم والحكومة التنفيذية المجلس الولائي فيها هو المعني بالقانون، وأي قانون عندما يوضع تترتب على تطبيقه في الواقع بعض الإشكالات والمآخذ التي لم تكن ظاهرة في النص.. أحيانا يكون النص سليماً، لكن عندما تأتي الجهة التي تطبق القانون تطبقه بغير الصورة الموجود عليها في النص القانوني.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية