التغيير والإصلاح!!
{ تبتذل شعارات التغيير والإصلاح حينما (يختزلها) البعض في تبديل الوجوه وتغيير الكراسي (وتدويرها) بين لاعبين يعتقد المدرب أنهم الأفضل، وهو مؤمن بمقولة العجوز الإيطالي “ساكي” (العب بالذي يحقق الانتصار).. وهي مقولة انتهازية، فالانتصار أحياناً يشكل مدخلاً لهزيمة أو هزائم قادمة.
{ وفريق الحكومة التنفيذي القابع على كراسي السلطة بعضه منذ (23) عاماً وآخرون (15) سنة، وأحدثهم سناً (10) سنوات، وجميعهم يخيل إليهم أن رائعة “وردي” عن ملهمته ذات التسعة عشر عاماً ليست ما هي إلا وزارة في شارع النيل لها موارد ذاتية وتتيح لزوجها، أقصد وزيرها، الأسفار في أرض الله الواسعة من “شيلي” حتى “جواتمالا”.. وإن بقاء الوزير لتسعة عشر عاماً في كرسيه يمثل امتثالاً للآية الكريمة (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ).
{ فأيهما أحق بالتغيير، المنهج الذي يجعل شخصاً واحداً قابعاً في كرسيه لعشرين عاماً؟ أم إزاحة ذلك الشخص الذي تكلست أطرافه ليأتي آخرون مكانه ليمكثوا في الوزارات والمؤسسات لفترة قد تتجاوز حقبة الذين سبقوهم في الكرسي.
{ صحيح أن بعض الرموز في الحكومة ارتبطوا بالفشل وآخرون حققوا نجاحات يشهد عليها المعارضون قبل الموالين، وتبديل الفاشلين ضرورة قصوى وفرض عين على الجهاز السياسي، ولكن لماذا لا يتغير ويتبدل المنهج الذي يجعل الأشخاص ثوابت، يتزحزح جبل مرة من موقعه (ولا يتزحزحون) من مواقعهم؟!
{ جاءت الحكومة بأحزاب المعارضة للسلطة واستمالت لصفها بعض المعارضين من حاملي السلاح، ولكن الحال هو نفس الحال.. خرج “الترابي” أو “غازي صلاح الدين” فالأشخاص محيط تأثيرهم محدود جداً بالنظر للمناهج التي يفترض أن تحكم وتسود.
{ يتطلع الشعب السوداني لتغيير حقيقي في السياسات والمناهج، لا تبديل فقط لوزير المالية والدفاع والري والإعلام بوزراء آخرين.. لا فرق بين “علي محمود” و”حسن أحمد طه” ولا بين الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” والفريق “عوض ابن عوف” أو “أحمد بلال عثمان” أو “أحمد البلال الطيب”.. ولكن التغيير ينبغي له المساس بجوهر السياسات الحكومية، وأهمها القناعة بأن الحل السياسي لكل قضايا البلاد أجدى وأنفع من المواجهات العسكرية والرهان على البندقية، وأن تتجه الدولة لسياسات اقتصادية جديدة وفق شروط واستحقاقات حرية السوق والعدالة والشفافية في إدارة المال العام، والحق العام في التوظيف والحصول على العطاءات بالتنافس الحر النزيه. فالذين (احتكرت) لهم الدولة العطاءات يفترض أن (يشبعوا) وتمتلئ خزائنهم.. والإقبال على سياسات اجتماعية جديدة تأخذ البسطاء والمظلومين بالرأفة والإحسان، وأن تنأى الدولة عن استخدام العنف المفرط تجاه بؤساء فقراء أجبرتهم الظروف الاقتصادية للخروج ليأكلوا من الأسواق (كفريشة) وبائعات شاي وأطعمة.. وأن ترفع الحكومة ضغوطها على البرلمان الذي جاءت به من تلقاء نفسها ليمارس دوره في الرقابة على الجهاز التنفيذي، لا أن يصبح البرلمان بوقاً يمدح الوزراء، حتى ذهب وقار النائب البرلماني، ويأتي بعضهم و(يستحي) من الشعب أن يعرف نفسه كعضو في البرلمان.
{ الإصلاح والتغيير المرتقب الذي يتطلع إليه الناس أن يرفع المركز وصايته على الولايات التي جعلت الوالي مجرد (دمية) تحركها الخرطوم كيفما شاءت، واحترام نتائج الانتخابات وتقديس خيارات الشعب، وأن (لا تدوس) الحكومة المركزية على رغبات الناس بأقدامها لمجرد خلاف بين نافذين في المركز ووالٍ منتخب.. وأن تفكك مراكز القوى ويصبح الوزير وزيراً حقيقيا،ً وتنتهي قصة أولاد المصارين البيض! تلك هي مطلوبات التغيير والإصلاح التي يبتغيها الشعب، أما التنقلات وتدوير الكراسي فإنها شأن خاص بعدد محدود جداً من القيادات النافذة والمتنفذة!!