أخبار

العيش!!

} اهتمت الحكومة بمعالجة الآثار السياسية والأمنية والمضاعفات التي أفرزتها قرارات الرفع الجزئي للدعم عن المحروقات، وغضت الطرف عن الآثار الاجتماعية المدمرة للمجتمع، إلا بعض المعالجات الخجولة التي أسندت لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي وديوان الزكاة.. والآن بدأت الدولة والمجتمع (بقطف) الثمرات المرة لسياسات رفع الدعم، حيث تفشت العطالة وتمدد الفقر للطبقات الوظيفية في القطاعين الخاص والعام.. وباتت قطاعات واسعة من المواطنين عاجزة عن سداد استحقاقات فلذات أكبادهم من طلاب الجامعات والثانويات والأساس.. وفي أخبار الصحافة الاجتماعية ما يغني عن ضرب الأمثال إن كان هناك من يعقلون ويتدبرون في مآلات الأوضاع في بلادنا.. زادت نسبة طلاق الإعسار، وطلاق الغيبة، وأصبح رغيف الخبز كمثقال حبة من خردل، وولاية الخرطوم تتمسك (بلا عقلانية) بأربع رغيفات للجنيه الواحد، وارتفعت مدخلات صناعة الخبز وأسعار الدقيق.. لكن الحكومة تتكئ على سواعد أصحاب المخابز.. وكذا حال ملاك البصات الحكومية الذين وجدوا أنفسهم عاجزين تماماً عن سداد الأقساط الشهرية، بسبب رفض ولاية الخرطوم تعديل تعريفة النقل وارتفاع سعر الجازولين والزيوت.
} في ظل هذا الواقع المرير يئن المجتمع تحت وطأة الضغوط الاقتصادية، ويتمدد الفقر المدقع وسط الشعب الصابر المسكين، ولا تجود الحكومة حتى بكلمات طيبات ترطب كبده المجروح، وتتوعده بالثبور والحروب والتحدي وإبراز العضلات.. وتمدد الفقر يتفشى في معيته الانحلال الأخلاقي والتفسخ الاجتماعي، وتتكاثر الأمراض الاجتماعية وتنمو التشوهات المجتمعية، والسيد وزير المالية يتحدث بصدق وصراحة جارحة جداً حينما يكشف عن إقبال الحكومة على تطبيق الوجه الثاني من حزمة الإصلاح الاقتصادي، متوعداً برفع سعر جالون البنزين لـ (31) جنيهاً، ولكن السيد د.”الحاج آدم يوسف” يقول إن أرقام وزير المالية عن الاقتصاد السوداني ليست هي الحقيقية، وأن الواقع الاقتصادي يتجاوز تلك الأرقام لأننا دولة يسير اقتصادها (بالبركة).. هل السيد نائب الرئيس يعني أن مال السودان مبارك طهور من الربا ومشتقات الربا والدنس والأرجاس؟! أم أن النظريات الاقتصادية والتدابير الإنسانية العلمية ما عادت تحكم اقتصاد السودان، وأن قوة ربانية سخرها الله للطف بالسودانيين!!
} إذا كانت الدولة الرسالية التي بشرت بها الإنقاذ لمدة ثلاثة وعشرين عاماً، تنهض على أساس التغيير الاجتماعي وبسط العدالة والرفاه الاقتصادي والمساواة، فإن ما يحدث اليوم من (تسلخ) اجتماعي وتفشي لأمراض ما كانت معهودة في السودان لهو نذر جد خطير!
} أنظر فقط لإعلانات المحاكم الشرعية عن الأزواج الغائبين عن أسرهم.. وأسألوا القضاة العاملين في المحاكم الجنائية بأطراف العاصمة عن الجرائم الأخلاقية التي تفشت وحالات الإجهاض والسرقة والنهب في قلب الخرطوم.. كل ذلك ولا يزال قطاع عريض من الشعب يصرف من مدخراته الشحيحة، وتتبرع النساء بالحلي الذهبية لأزواجهن لسد رمق العيش، ولكن ماذا بعد تآكل المدخرات؟ إن نصف الشعب السوداني مهدد الآن بالعجز عن العيش في وطنه، وسوء العلاقات الخارجية أغلق دروب الهجرة للبلدان العربية، ومناطق الإنتاج أصبحت مسارح للعمليات العسكرية، فكيف السبيل وإلى أين يتجه هذا الشعب الذي صبر وكابد على أمل بتبدل الحال، ولكن الآن حتى الأمل في الغد تلاشى للإحباط والخوف من المجهول القادم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية