أخبار

التزحلق على الهواء

تشظي روح المبدع منطلق الكتابة.. حيث لا نجزم بأن البرود والبلاهة والتبلد يمكن أن تفضي إلى نص أدبي ساخن ومؤثر.. البعض يؤكد دائماً أن المعاناة وسيلة الإبداع، وأن الاسترخاء يقتل الموهبة، والبعض يؤكد أيضاً أن الكتابة لا تنشأ في ظروف صحية، فهي وليدة الغربة النفسية والمكانية ووليدة الأسى والحزن، ولا تستوي الكتابة في الظل والطمأنينة.. بيد أن الكتابة في عرف آخر طقس للجنون والتوحد مع الفوضى.. هي لحظة منفصلة عن السياق الحياتي العام..
زمنية للتواصل مع الذات ورفض كل الآخر.. بعدها يمكن أن يعود الكاتب للعادي والسائد والعام أو لا يعود.. يعيش معه بجسده أو حتى بروحه لا يهم.. فالمهم تلك اللحظة العجيبة التي ينعزل فيها عن نبض الحياة.. يموت وحده ويحيا وحده ليكتب وحده.. تظل الكتابة كرؤية تشغلنا، نختلف حولها، ولكنها تستمر بمنطلقاتها المتعددة ورؤاها المختلفة، ليبقى الرهان على النصوص المكتوبة.. ننظر إليها بمعزل عن مناخات كاتبها وطقوسه الخاصة والعامة.. هكذا يفعل النقد الفني الموضوعي ويخالفه في ذلك النقد النفسي والاجتماعي والتاريخي الذي تعمل أدواته في اتجاه ذات الكاتب ومحيطه أكثر من نتاجه.
لا يهم.. كيف يتأسس النظر إلى الكتابة.. لا يهم أن تختلف توجهات البحث حولها.. إنما المهم أن تستمر كفعل مؤثر.. فاعل.. نشط.. أن يحدث في ذهن الملتقى ربكة قوية..أن يملأ مخيلته بالأسئلة المزعجة.. أن يوجد في داخله حالة من الانتشاء واللذة.
مزيد من الاقتراب نحو “رولان بارت” ولذة النص، ومزيد من الاقتراب نحو النصوص التذكارية التي تزيَّن بها معظم كتابات أواخر هذا القرن.. لنوسم الكتابة بشرعية المثول والخلود ونبعد عن أنفسنا وهم التزحلق على الهواء!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية