التشكيل الوزاري .. صفقات تحت طاولة الأحزاب !
كثر هذه الأيام الحديث عن موضوع التشكيل الوزاري المرتقب، حتى أصبح من محاور النقاشات الراتبة في مجالس المدينة، ومن بين هؤلاء هناك من هو مقر بوجود مثل هكذا خطوة ومن هو مستبعد لها.. أما السلطة فقد كثفت من الحديث حول هذا الموضوع خلال الأيام الفائتة، حتى دفع به النائب الأول للإعلام الأسبوع الماضي حينما قال لبرنامج (بلا حدود) إن التشكيل الوزاري وصل مراحله النهائية وسيعلن خلال أسبوعين.
على المستوى التنظيمي الداخلي للحزب، هناك من يتحدث عن مغادرة بعض الوزراء لمواقعهم كوزير المالية «علي محمود»، و»عبد الحليم المتعافي»، ووزير الصناعة «عبد الوهاب عثمان»، وتوقعوا أن يغادر كذلك «عثمان عمر الشريف» من الاتحادي الأصل.. المراقبون من جهتهم فهموا هذا التشكيل في سياق محاولة السلطة للخروج من الأزمات السياسية الراهنة، سواءً على مستوى حزبهم المؤتمر الوطني على خلفية المنشقين الجدد الذين اصطلح على تسميتهم بـ(الإصلاحيين) أو على المستوى العام أو الصعيد الاقتصادي، فيما ظلت الحكومة تؤكد على جديتها في هذا التشكيل الذي ينبغي أن يحدث تحولاً في الدولة كما قال القيادي بالحزب دكتور «الفاتح عز الدين»، وإشراك القوى السياسية فيه.
وسبق أن جاءت الإشارات من الرئيس «البشير» في لقاء جمعه مع قيادات الأجهزة الإعلامية قبل رفع الدعم عن المحروقات، حينما قال إن الناس موعودة بسماع بشريات خلال أيام حول علاقتهم بالمؤتمر الشعبي، وإن حوارهم مع الأمة قد اكتمل، إلا أن الحزبين سارعا إلى نفي هذا الأمر رغم أنه جاء على لسان أعلى سلطة في الحكومة، وهناك من السلطويين من قطع بمشاركة حزب المؤتمر الشعبي والأمة القومي في هذا التشكيل.
المؤتمر الشعبي سبق أن استبعد وجود أي اتجاه للحوار مع المؤتمر الوطني، وعزز هذا النفي قول بعضهم إن الحوار يتطلب وجود قرار يفضي إلى تكوين لجان وهذا ما لم يتم حتى الآن.. لكن يبدو أن هناك مجموعة في المؤتمر الوطني تغيرت رؤاها حول كثير من القضايا، وأصبحت في قناعتها أقرب إلى من هم في المؤتمر الشعبي، وهذا الأمر ربما يدعو المؤتمر الشعبي إلى الجلوس مع المؤتمر الوطني في حال ضغطت هذه المجموعة وأقنعت قيادتها في المؤتمر الوطني بقبول حوار حول مسألة ترتيب الانتقال، وفي هذه المعادلة المؤتمر الوطني سيكون موجوداً، ما يعني أن الترتيب بالنسبة للشعبي أولوية سواءً مع الحكومة أو التحالف المعارض، وإذا تم يمكن أن ينتقل المؤتمر الشعبي من خانة تغيير النظام بالوسائل الشعبية إلى تغييره من خلال الحوار، خاصة أن دكتور «الترابي» أبدى أكثر من مرة مخاوفه من تغيير النظام قبل الاتفاق على البديل أو ترتيب المرحلة الانتقالية، وقد يكون يقصد بالبديل ترتيب مسألة الانتقال حتى لا تكرر تجربة مصر في السودان، وربما هذه التجربة رسخت قناعات لدى الطرفين قد تفضي إلى اتفاق على صيغة ما.. غير ذلك، ستظل دعوة الشعبي إلى إسقاط النظام قائمة.
أما حزب الأمة القومي، فبالرغم من أن نائب رئيس الحزب «صديق إسماعيل» قد كشف عن توصل حزبه إلى تفاهمات مع المؤتمر الوطني، إلا أن نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي دكتور «محمد المهدي» عدّ ما قاله «صديق» مجرد أشواق خاصة بمن يقولون ذلك، والأشواق أمر مشروع.. وبالمقابل قال إن الأمين العام للحزب دكتور «إبراهيم الأمين» قد أصدر أمس بياناً أشار فيه إلى عدم صحة ما نشر، وكشف «محمد المهدي» عن أن الحوار بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة القومي توقف قبل شهر ونصف الشهر بعدما رفض الأول القبول بأطروحات حزب الأمة القومي. واختتم حديثه لـ(المجهر) بقوله: (هناك أناس في الحزب أشواقهم أن يكون هناك حوار وتفاهمات مع السلطة، لكن ما أقوله هو رأي المؤسسة).
هناك ثمة ملاحظات قد تكون متعلقة بالملابسات التي صاحبت تضارب تصريحات قيادات حزب الأمة القومي، من بينها أن هناك مجموعة داخل الحزب تشده نحو الاتفاق مع المؤتمر الوطني، وقيل يقف على رأس هذه المجموعة الفريق «صديق»، ومجموعة أخرى يقودها «عبد الجليل الباشا» والأمين العام «إبراهيم الأمين» و«مريم الصادق» تجر الحزب نحو التحالف المعارض.. لكن يبدو أن رئيس الحزب أقرب إلى المجموعة الأولى التي قامت بترتيب لقائه الأخير بالرئيس «البشير».. وما يدل على ذلك أن علاقة «الصادق المهدي» بقوى التحالف ليست على ما يرام منذ أن طالب «الصادق» بهيكلة التحالف، وتحفظت بعض عضويته على هذا الطلب.. من جهة أخرى، أشار الحزب الشيوعي بالأمس في بيان له أن الاجتماعات التي عقدها انتقدت موقف زعيم حزب الأمة «الصادق المهدي» ومقترحاته التي رمت منذ وقت مبكر، وتعمل حتى الآن، على وضع قوى الإجماع تحت سيطرته أو على أقل تقدير خلق جبهة موازية لصالحه داخل قوى الإجماع الوطني، أو كما ورد في البيان.. وكانت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي قد عقدت اجتماعاً مشتركاً مع قيادات المناطق المختلفة صباح الجمعة ناقش الموقف السياسي الراهن والوضع الاقتصادي، وقررت فيه رفضها الدعوة للمشاركة في الانتخابات المزمعة في العام 2015م، وأقر الاجتماع ضرورة خلق صلة مستقرة مع الجبهة الثورية والاتفاق معها، لأهمية دورها في توجيه جماهيرها للمشاركة في المدن المختلفة في التظاهرات والوقفات الاحتجاجية وغيرها من أساليب النضال السلمي، ودعا الحزب الشيوعي السوداني إلى التنسيق مع الجبهة الثورية لإسقاط النظام.. والدعوة الصريحة من الشيوعي تُفهم في سياق عدم وجود علاقة متينة بين الأمة والتحالف المعارض تسمح بالتنسيق، وربما شعر الشيوعي بمواقف حزب قيادة الأمة المتحركة وربما القريبة من الحوار والاتفاق مع المؤتمر الوطني رغم نفي بعض قياداته.. لكن هل ما قاله بيان حزب الأمة بعدم صحة وجود تفاهمات مع المؤتمر الوطني هو حقيقة ما يدور داخل الدهاليز؟؟
قبل ذلك، سألت (المجهر) دكتور «أمين حسن عمر» عن صحة ما ينشر حول نية الاتحادي الأصل فض الشراكة مع المؤتمر الوطني، ووجود حوار بين حزبه وحزب الأمة القومي أو المؤتمر الشعبي، وفي اليوم التالي يكون هناك نفي من بعض القيادات، فقال: (هذه مساحة التفاعل في الساحة السياسية، صحيح فيها مشكلة، لكن غالبية المعالجات السياسية والصفقات السياسية لا تنشر في الصحف.. ما ينشر يكون عبارة عن الأخبار السيئة). وأقر بمسألة التكتم في العمل السياسي، مضيفاً إن إنجاحها يتطلب التكتم، وكثير من المبادرات إذا لم يُتكتم عليها تفشل، لكن في كل الظروف كان هناك مستوى من مستويات الحوار بين القوى السياسية وأعده أمراً ضرورياً حتى لو تم من باب تحديد ما يختلف عليه، وقال: (أعتقد أن المرحلة الراهنة أفضل من سابقاتها في جدية الحوار، وأنا شخصياً استشعر فيها جدية أكثر من القوى السياسية الرئيسية.. الأمة، الاتحادي والشعبي)، وأبان أن الحوار دائماً كان موجوداً بدرجات مختلفة، وليس بالضرورة أن يؤدي إلى نتائج ملموسة وسريعة، لكن تدل على أن هناك مقاربة صحيحة للمسائل يمكن أن تفضي إلى تفاهمات أو تقود إلى تنظيم الساحة في إطار قضايا قومية متفق عليها حكومة ومعارضة، أو شكل آخر من أشكال الائتلاف بين القوى السياسية، وأنا لا أريد أن أستبق نهايات الحوار لأنه يمكن أن يؤدي مع حزب إلى تفاهم يقود إلى المشاركة، ومع حزب آخر إلى تنظيم العلاقة وتحديد القضايا.. وعلى ضوء، هذا الحديث ربما يكون التشكيل الوزاري كبيراً كما قال المؤتمر الوطني، وقد يكون حجم التبشير أكبر من الواقع.