ارتفاع التضخم .. تفاقم في الضائقة المعيشية.. !!
عندما أقرت الحكومة حزمة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة على رأسها رفع الدعم عن المحروقات، كان أقوى مبرراتها هو إعادة توزيع تلك العائدات من رفع الدعم من قبل الميسورين، لتتجه تلك الأموال لصالح الفقراء والمعدمين في البلاد، لكن على ما يبدو لم تحقق الحكومة ما أرادت طوال فترة الشهرين الماضيين من عمر قراراتها، ناهيك عن ما تبقى من فترة البرنامج الثلاثي، إذ ذهبت آثار قراراتها الإصلاحية في عكس ما خططت، فقفز معدل التضخم إلى (40.3%) خلال أكتوبر المنصرم، بعدما انخفض إلى دون (22%) قبيل أكتوبر، وما يصاحبه من ضعف وعزوف في القوة الشرائية بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار السلع خاصة الاستهلاكية والضرورية، فجاء قرار رفع الدعم عن المحروقات وفقاً لخبراء في مجال الاقتصاد (وبالاً) وكارثة على الاقتصاد أولاً، وعلى المواطنين الذين ألهب تصاعد الأسعار ظهورهم، وبدأ زهدهم الواضح في التعامل مع السلع التي أصبحت عصية المنال عنهم.
وعلى الرغم من إقرار وزير المالية والاقتصاد الوطني «علي محمود»، أمام المجلس الوطني الأسبوع الفائت، بارتفاع معدل التضخم عن المعدل السابق البالغ (22%) لكنه عاد وقال إن معدل التضخم لم يصل إلى (30%) بسبب الإجراءات الاقتصادية فقط، بل معها عوامل خارجية، ولم يمضِ على حديث وزير المالية أكثر من أسبوع ليقفز معدل التضخم إلى (40.3%) ما ينعكس على الأوضاع المعيشية على حياة الناس بصورة مقلقة، بحسب خبراء في مجال الاقتصاد.
ورغم أن وزير المالية لم يُخفِ اعترافه في البرلمان بتسبب حزمة الإجراءات الاقتصادية في رفع أسعار السلع الاستهلاكية والضرورية على المدى القصير، يقول إن وزارته لم تصل مرحلة الاستدانة من النظام المصرفي أو الاستدانة من الخارج، واستطاعت تغطية الفصل الأول (الرواتب) من الموارد الذاتية.
لكن يرى الخبير الاقتصادي «عبد الرحيم حمدي» وجود أربعة أنواع من التضخم في الاقتصاد، أولها متعلق بزيادة الطلب على كل أنواع السلع بسبب زيادة الدخول ووجود سياسة تشجع الاستهلاك عن طريق دعم الاستيراد وهو سياسة خاطئة، خاصة وأن الاقتصاد يستورد بأكثر من موارد البلاد.
ويقول «حمدي» في حديث لـ(المجهر) إن السبب الثاني هو التضخم القائم على السياسات الحكومية المؤدية إلى رفع التكلفة في الاقتصاد بسبب زيادة الرسوم والضرائب في السنوات الماضية، والسبب الثالث يرجع إلى التضخم المستورد، وسببه أن الاقتصاد أصبح يعتمد على الاستيراد أكثر من الإنتاج المحلي، بجانب التضخم المضارب الذي يعني أن الناس اقتنعوا بأن الأسعار الحالية لا يمكن أن تنخفض وبدأوا في التخطيط لمستقبلهم على هذا الأساس، بأن الأسعار مرتفعة ما يعنى أنهم يقومون برفع تكلفة الخدمات والسلع مقدماً.
ويتوقع «حمدي» أن التضخم لن ينخفض بصورة محسوسة في المستقبل القريب، ويشير إلى أن المواطنين أصبح لديهم دخول كبيرة، وارتفع دخل الفرد بين خمسة إلى ستة أضعاف، وأن قسماً من الناس لديه قدرة لشراء أي شيء وبأي أسعار، ويقول إنه إذا لم تحدث زيادة في الإنتاج لن يحدث انخفاض في معدل التضخم، مشيراً إلى أن اتجاه المعالجة الذي تعتمده الحكومة خطأ، منوهاً إلى أنه يفترض أن نسعى إلى إحداث نمو اقتصادي، وأن البرنامج المطروح حالياً لا يستهدف النمو بل العكس.
ويذهب «حمدي» إلي القول بأن ظاهرة ارتفاع الأسعار ما هي إلا ظاهر للمشكلة، وأن المشكلة الحقيقية تكمن في ازدياد صرفنا على الإيرادات المتاحة لنا، وأن العلاج لن يكون إلا بإيجاد موارد جديدة على وجه السرعة من تلقاء القطاع المالي، واستعمالها بعد ذلك في تشجيع الإنتاج في السلع والخدمات بإستراتيجية نمو واضحة. ويرى أن الحلول تكمن في تشجيع الاستثمار الخارجي وتشجيع الاستدانة من الجمهور والمصارف داخلياً.
الخبير الاقتصادي الدكتور «محمد الناير» يرى في حديث لـ(المجهر) أن ارتفاع معدل التضخم في أكتوبر المنصرم كان متوقعاً من (22%) إلى (40.3%)، لكنه يقول إنه قفز قفزة كبيرة مقارنة مع ما يحدث في دول العالم، فيكون ارتفاع معدل التضخم طفيفاً ولا يتجاوز نصف في المائة، مبيناً أن الارتفاع زاد بنسبة (18%) فهي قفزة كبيرة ناتجة عن رفع الدعم عن المحروقات، ويشير إلى الارتفاع ليس ينحصر فقط على رفع الدعم، وإنما ستتبعه من آثار تنعكس في ارتفاع أسعار الترحيل وتكاليف الإنتاج وارتفاع تكاليف القطاعات التجارية والمستوردين الذين يزيدون أسعار السلع أكثر من تأثر السلع جراء رفع الدعم.
ويتوقع «الناير» أن ترتفع معدلات التضخم خلال نوفمبر الحالي وديسمبر المقبل، مشيراً إلى أنه لو كان هناك تراجع في معدلات التضخم ستكون في الربع الثاني من العام المقبل، منوهاً إلى أن معدل التضخم مرشح للتزايد، وأن أهم عوامل الاستقرار الاقتصادي هي في السيطرة على معدل التضخم.
ويذهب إلى أن المعضلة في الاقتصاد حالياً ليست في قضية رفع الدعم عن المحروقات، وأنه يصعب تحقيق الاستقرار الاقتصادي في ظل الارتفاع الكبير في المستوى العام للأسعار.
ويقول إن زيادة التضخم تؤدي إلى إضعاف القوة الشرائية للجنيه السوداني، فالشخص الذي كان يشتري سلعة ما بجنيه سيشتريها حالياً بجنيه ونصف الجنيه، ما يعني تراجعاً في قوة الشرائية.
ويرى أن المشكلة الكبرى في سعر الصرف وليس المحروقات، وأن التحدي الأكبر هو سعر الصرف، وأن استهداف استقرار سعر الصرف لا يتأتي إلا عبر عدة عوامل أهمها هو زيادة الإنتاج وزيادة الإنتاجية والزيادة والتوسع الرأسي في الإنتاج عبر الصادرات غير البترولية، وأن تلك الخطوات تحتاج إلي المزيد من الوقت ربما إلى سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات، لكن على المدى العاجل هو الحصول على قرض لدعم ميزان المدفوعات، أو إيداع بعض الأموال في البنك المركزي.