(وتراها الفولة اتملت ) !!
جميل جداً أن نسمع عن حصاد المياه، حيث تعني هذه المفردة جمع المياه إبان الوفرة والاستفادة منها في فترة الجفاف، فمعظم مناطق السودان تمتاز بالأمطار الجيدة، لذلك كان لابد أن نفكر في ضرورة الاستفادة من هذه المياه بعد أن يتم تجميعها، فالخيران والوديان وغير ذلك من مواعين تخزين المياه.
نعم هنالك مناطق زراعية كثيرة بالسودان بحاجة إلى مثل هذا النوع من الأمطار واستخدامه في عمليات ري المحاصيل التي تتم زراعتها، فبدلا من أن تتبخر المياه هدراً وتذهب مع الرياح ويلهو بها الصغار، بل وتكون في كثير من الأحيان مصدراً للأمراض، لكونها مكاناً آمناً لتوالد الذباب والحشرات والناموس والبعوض… فبدلا من ذلك كان لابد من هذا التفكير الاقتصادي الذي أدى إلى تجميع هذه المياه في الوديان والخيران وتسميته اسماً جميلاً جداً (حصاد المياه).
وحدة تنفيذ السدود كان لها السبق في التنفيذ، وقد نجحت بعد أن نجحت في تنفيذ السدود والتي على رأسها سد مروي العملاق وبعده الروصيرص وعمليات التعلية التي أجريت له… سد مروي غير معالم المدينة والروصيرص أحدث نقلة ونحن في انتظار أعالي عطبرة وستيت والشريك وكجبار… فالسدود رحمة من الله قال تعالى في سورة الكهف الآية رقم (98) (قال هذا رحمة من ربى فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ) .. صدق الله العظيم
فالسدود رحمة وكذا المياه .. والماء جعل الله منه كل شيء حي، والرسول صلوات الله عليه وسلامه قال : ( خير الصدقة الماء ) وحصاد المياه يدخل في الصدقة، لأن المواشي تشرب منه وكذلك المشاريع الزراعية.
أقول هذا وفي الخاطر تلك الرحلة الحلوة التي كان يحكيها لنا أستاذ الجغرافيا ونحن في الصف السادس بالمرحلة الابتدائية … رحلة الرعاة مع الخريف والمياه .. البقارة والكبابيش بغرب السودان… كانوا يتنقلون من منطقة لأخرى بحثاً عن المياه، وكان هنالك ما يسمى الفولة التي كانت معروفة لدى البقارة، إذ كانوا يملأونها بالمياه وعندما تنفذ يذهبون لأخرى ثم يعودون إليها تارة أخرى ليجدونها قد امتلأت.. نعم كانت رحلة شيقة الآن أعادتها لأذهاننا وحدة تنفيذ السدود في مشروع حصاد المياه، الذي لم يقتصر على ولايات الغرب، بل امتد شرقاً حيث تكثر الأمطار وتروح مع أدراج الريح هي الأخرى.. ي الشرق لا توجد فولة ولكن توجد الوديان والخيران بالإضافة إلى دلتا القاش وطوكر.
ولأهل الشمال أيضاً حديث جميل عن الفولة والتي تعني بالمفهوم الحديث ( حصاد المياه ) .. شاعر الشمال «حاتم حسن الدابي» جسد تلك الرحلة البقارية في قصيدة جميلة تغنى بها الفنان «جعفر السقيد» حيث قال :
تراها الفولة اتملت
وتاني ليها البقارة عادو
حيث يعني بهذا ترك المحبوب لمحبوبته ثم الرجوع إليها تارة أخرى لأنه قال :
قبيل ما قلت دي القسمة
مخير وليك الله جابوا
وتانى رجعت صديت
إلى أن يقول :
ترها الفولة اتملت
وتانى ليها البقارة عادوا
نتمنى أن تتم الاستفادة القصوى من هذه المياه في العمليات الزراعية، وأن تزيد من الرقعة الزراعية خاصة نحن بحاجة كبيرة جدا للتوسع الزراعي في زمن تقلصت فيه المساحات الزراعية، وتدنى الإنتاج بسبب ارتفاع التكلفة وشح المياه في مناطق الزراعة المروية وتغلب الأمطار في مناطق الزراعة المطرية.
وبم أن الحديث قد تأكد بسبب تغير المناخ الذي أدى لتذبذب في الإنتاج، فلابد من الاستفادة من هذه الميزات … فلابد لنا أن نستفيد من الفرص.. والفرصة جات لحدي عندنا فيجب أن لا تفوت علينا .. وعلينا أن نحصد اعتباراً من اليوم أي ذرة مياه، وذلك حتى نستفيد منها وبعد ذلك نفكر في مشروع حيوي آخر.
شكراً وحدة تنفيذ السدود، وقبل ذلك نشكر الله على نعمة الأمطار، ونسأله أن يطيل علينا فصل الخريف لتمتليء جميع الفولات.